ادله بطلان استدلال الشيعه للامامه بآيه التبليغ
كما ذكرنا في الجزء الثاني لو أن خلافة علي وولايته كانت حقاً غاية إلهية عظيمة من وراء خلق الكون، وكان الله ورسوله يريدان ذلك كما تشير إليه كل تلك الأحاديث الواهية والروايات الضعيفة السند،
فلماذا لم يستطع الله(!) - تعالى الله عن ذلك -
حتى بيان ذلك المطلب بشكل قاطع وصريح في كتابه الكريم وبواسطة نبيه الكريم أو أي أحد آخر من عباده لتتحقق إرادته وينتصر هدفه ولا يضل الناس ذلك الضلال المبين؟،
هذا إن كان عدم توليته ضلالاً مبيناً حقاً،
أوليس هو تعالى القائل: ﴿ والله غالبٌ على أمره ﴾
والقائل: ﴿ ألا إن حزب الله هم الغالبون ﴾؟
فكيف نفسر هذا الفشل في تحقيق ذلك المراد الخطير؟
اللهم إلا أن نعترف بأنه لم يكن هناك مثل هذا الهدف والقصد وأن تلك الادعاءات العريضة ادعاءات لا أساس لها - والأهم من ذلك هو تلك الطريقة العجيبة التي ليس لها سابقة
والتي لا يمكن أبداً تبريرها التي يدعون أن الشارع تعالى بين بها أصل "الإمامة المنصوص عليها"
، رغم أهميته العظيمة. وهذه قضية جديرة بأن تفتح الطريق أمام المنصفين والمتجردين لطلب الحقل اكتشاف حقيقة القضية.
فإن في القرآن الكريم مئات الآيات البينة المحكمة التي تقرر أصل "التوحيد" وكذلك عشرات بل مئات الآيات التي تتكلم عن "اليوم الآخر"، وكذلك ليست قليلة الآيات الواضحة التي تقرر أصل "النبوة العامة" وتبين وتستدل على أصل "نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الخاصة"، وهكذا حول بقية أصول الدين وأركان الإيمان، بل لقد بين القرآن أيضاً كثيراً من الفروع (حتى الجزئية الصغيرة منها كلزوم رد التحية بأحسن منها والتوسع في المجالس.. إلخ)،
وقد بين القرآن كل تلك الأصول بعبارات واضحة جلية محكمة لا مجال للبس أو الاحتمال أو الغموض فيها، يفهم منها المراد مباشرة - بنحو الإجمال على أقل تقدير - بدون الحاجة للاعتماد على الحديث.
ولكن لماذا ترك القرآن هذه الطريقة في بيانه أصل "الإمامة" الخطير الذي هو مناط السعادة وحفظ الدين كما يقولون؟؟!
وأما الآيات التي يذكرونها على أنها تنص على موضوع الإمامة فهي آيات يقتضي قبول ارتباطها بموضوع الإمامة أن نغمض النظر عما قبلها وما بعدها من آيات أي عن سياقها،
بل أحياناً يقتضي أن لا نكمل الآية إلى آخرها أي أن نقصّ العبارة من الآيات قصّاً!!
علاوة على الإشكال الأكبر وهو أنها آيات لا تفيد المدعى إلا بمساعدة الحديث، وبدونه لا تدل على المطلوب أبداً؟!! حقّاً إنه لعجيب جدَّاً هذا الاستثناء في طريقة الشارع المقدّس في بيانه لأصول الدين،
حيث بدلاً من الصراحة والوضوح المعهودين دائماً منه، يختار هنا - في هدايته الأمة لهذا الأصل العظيم - الإبهام والغموض. وحتى عندما نأتي للحديث الذي يدعون أنه نص على الإمامة نجده غير قاطع في المراد، ونجده يستخدم كلمة "مولى" التي يعترف المؤيدون للإمامة بالنص، أن لها على الأقل سبعة وعشرون معنى في اللغة العربية!!!
ونجد سياق الحديث وملابساته وقرائنه تدل على أن المراد بالمولى أمر غير الإمامة والإمارة. هذا في حين أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان شديد الحرص على هداية قومه
(إشارة إلى ما جاء في سورة الكهف/ آية 6:
{فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}
ونحوها في سورة الشعراء/ آية 3.
وكذلك قوله تعالى: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل} النحل/37،
وقوله عز من قائل: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} التوبة/ 128.)
وكان "أفصح من نطق بالضاد"، فلا شك أنه لو أراد هداية أمته وإتمام الحجة عليها ببيان أصل أساسي وخطير من أصول الدين لبينه بعبارات واضحة جلية لا لبس فيها، لا بعبارات مشتبهة مشتركة يعسر فهم المراد منها!!
(هذا الغموض كان لدرجة أنه انعكس حتى في روايات المعتقدين بالإمامة المنصوصة من الله لعلي هم يعترفون بهذا الغموض!!
فمن جملة ذلك ما رواه الطبرسي في "الاحتجاج" أن الأنصار لم يفهموا مراد الرسول من خطبة الغدير!! واضطروا لأجل ذلك أن يرسلوا شخصا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله عن مقصوده من ذلك الحديث، والنبي صلى الله عليه وسلم - طبق هذه الرواية - حتى في توضيحه لحديثه لم يستخدم أيضاً لفظة: "ولي الأمر)
الشبهه االثانيه في إثبات إمامة عليٍّ (ع):
الاستدلال بآية التبليغ
لنري اولا سبب نزول آية التبليغ (الآية 67 من سورة المائدة) ومفادها، والتي تُعدَّ أحد أعمدة استدلال الشيعة بغدير خم علَى نص الله علَى عليٍّ بالإمامة. تقول الآية المذكورة:
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾(المائدة/67)
يعتقد علماء الشيعة أن هذه الآية نزلت يومَ غدير خم وأن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من خلال هذه الآية أن يُبَلِّغَ الناسَ إمامةَ عليٍّ (ع) وولايته
وأن ينصبه خليفةً للنبيّ على الناس وأكّد على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه لو لم يفعل ذلك ستبقى رسالته ناقصة لم يتم إبلاغها بالكامل، وأنه في الوقت ذاته لا ينبغي عليه أن يخاف من الناس لأن الله سيحفظه ويعصمه من شرهم.
وهنا هل مفاد الآية المذكورة حقيقةً هو إبلاغ موضوع ولاية عليٍّ (ع) وإمامته؟
لنبحث في مفاد آية التبليغ. السؤال المهم المطروح هنا حول هذه الآية هو ما معنى جملة «ما أُنزل إليك» بعبارة أخرى
ما هو الشيء الذي أراد الله تعالى من رسوله أن يقوم بتبليغه للناس؟
إن الله يريد أن يقول لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم من خلال هذه الآية «قم بتبليغ الآيات التي نزلت إليك أو التي تنزل عليك الآن للناس ولا تخش من أحد في هذا السبيل وقم بتنفيذ مهمتك في إبلاغ آيات الله للناس واطمئن لحفظ الله تعالى لك من شر الأعداء الذين يتربصون بك السوء
(أي الكافرون والمنافقون الذين قد تضرُّ بهم تلك الآيات الإلهية، ويسعون لعرقلة أمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين أو توجيه ضربة إليهم).
وبعبارة أخرى إن لآية التبليغ مفهومٌ عامٌّ، فهي تقول للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «بلّغ الناسَ آيات الله التي نزلت أو تتنزَّل عليك الآن وإن لم تفعل ذلك فلم تؤدِّ رسالتك».
أما علماء الشيعة فإنهم يقولون إن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أُمر في هذه الآية بإبلاغ رسالة إلهية تتضمن ولاية عليٍّ وإمامته (ع). وبعبارة أخرى إن الله تعالى أوصل إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم رسالةَ إمامة عليٍّ (ع) وولايته عن طريق الوحي ثم طلب منه أن يبلّغ الناس تلك الرسالة التي أوحاها له.
ولكن السؤال هو:
إذا كان ما نُزّل إلى النبيّ ابتداء (أي قبل نزول آية التبليغ هذه)
(أي الأمر الذي تشير إليه كلمة «ما» في جملة «ما أُنزل إليك»)
هو موضوع إمامة عليٍّ (ع) وخلافته بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأين توجد تلك الآية الموحى بها في القرآن؟
ألم «يُنْزَل» هذا الموضوع من قَبْل عن طريق الوحي على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فلماذا لم يأتِ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم على تلك الآية بذكر؟
إن ما «أُنزل» على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من طريق «الوحي» وأُمر بـ«إبلاغه» للناس وحُذِّرَ بأنه لو لم يُبْلِغْهُ فإن «رسالته» لم يتم إبلاغها كاملاً
لا بد أن يكون آيةً أو آياتٍ واضحةً من القرآن الكريم، ولكن أين هذه الآية [أو الآيات] التي جاء فيها كلامٌ عن إمامة عليٍّ (ع) وولايته وخلافته بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؟
قد تقولون إن موضوع إمامة عليٍّ (ع) لم ينزل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على شكل آية من القرآن لأن ذلك لم يكن فيه مصلحة إذ كان هناك احتمالٌ أن يقوم أعداء عليٍّ (ع) والناقمون عليه بالذهاب بعيداً إلى حد تحريفهم للقرآن توصلاً إلى أهدافهم.
ولكننا نقول: إن هذا التبرير غير مقبول على الإطلاق للأسباب التالية:
· إن الكلام المذكور أعلاه مخالف لظاهر الآية. لأن ظاهر آية التبليغ يدل على أن هناك أموراً «أُنْزِلَتْ» فعلاً من قَبل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو الآن مأمور بأن يقوم بـ«إبلاغها»
للناس كي لا تبقى «رسالته» غير مكتملة. فلا بد أن يكون ذلك الأمر آية أو آيات في القرآن حتماً. لأنه في غير تلك الصورة لما استخدمت في آية التبليغ كلمة «أُنْزِلَ».
· إذا كان من المقرر أن يكون القرآن الكريم آخر الكتب السماوية (ولجميع البشر حتى يوم القيامة) فإن الله ذاته يحفظه من شر الأعداء ويمنع تحريفه أو تبديله أو اندثاره، وعندئذ فلا خوف من المحرّفين. وهذا ما ذكره القرآن ذاته في قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر/9)،
فلماذا الخوف من ذكر إمامة عليٍّ (ع) وخلافته بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
صراحةً بشكل آيةٍ بيِّنةٍ في القرآن؟
· كيف لم يخف الله تعالى من كل أولئك اليهود والنصارى والوثنيين والمشـركين والملحدين والمنافقين و... (وفي الزمن الذي بدأت فيه رسالة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للتوّ وكان لا يزال وحيداً بلا معين ولا نصير ولا حول ولا قوة وكان خطر الموت يهدّده في كل لحظة)
فكان يُنَزِّل على نبيِّه آيات التوحيد ومحاربة الكفر والشـرك وعبادة الأصنام وكان يأمره بتحطيم الأصنام ومحاربة الكفار والمشركين وهداية الناس إلى التوحيد وعبادة الله وحده، أما الآن وبعد أن أسلمت كل الجزيرة العربية وآمنت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وامتلك حضرته القوة الكاملة وربّى خلال مدة رسالته مئات بل آلاف الصحابه أصبح يخاف أن تقوم مجموعة من الناس بتحريف آخر الكتب السماوية؟!
· إذا كان هناك فعلاً خطر وقوع تحريف للقرآن، فهل إمامة عليٍّ (ع) وحدها معرَّضةٌ لهذا الخطر؟ ألا يهدِّد خطر التحريف الآيات المتعلّقة بالكفّار والمشـركين واليهود والنصارى وعبّاد النجوم و....؟
· من البديهي أنه لو كان مثل هذا الخطر باعثاً على عدم إنزال الله تعالى موضوعاً مهماً مثل إمامة عليٍّ (ع) بصورة آية من آيات القرآن، لوجب أن لا تُذكر مئات الموضوعات الحساسة الأخرى (كالآيات المتعلقة بالتوحيد والنبوة والمعاد) في القرآن الكريم، وبعبارة أدق لما كان القرآن قد أُنزلَ من الأساس!.
· إذا كان الأعداء والناقمون قادرون فعلاً على تحريف القرآن لحذفوا منه آية التبليغ هذه (والآيات الأخرى أيضاً مثل آية الولاية) التي يتمسك بها الشيعة لإثبات ادعاءاتهم.
حقاً لو كانت تلك الآيات طبقاً لمستندات موثوقة وقوية نازلة فعلاً بشأن عليٍّ (ع) وتشير إلى
إمامته وولايته بصراحة، ومن الجهة الأخرى كان أعداء عليٍّ والناقمون عليه قادرين على
تحريف القرآن فلماذا لم يتم تحريف هذه الآيات؟
· إذا كان الأعداء والناقمون قادرين على تحريف القرآن فسيكونون من باب أولى قادرين على تحريف أحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (بشأن الإمام عليٍّ (ع»،
ولما تركوا أيَّ حديثٍ من أحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بشأن إمامة عليٍّ (ع) يبقى، هذا في حال أن الشيعة تعتقد أن هناك روايات متعددة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (مثل حديث غدير خم، وحديث الثقلين وحديث المنزلة و...) ظلت كما هي إلى يومنا هذا وهي تدل بكل صراحة –حسب قولهم- على إمامة عليٍّ (ع) وخلافته بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
نحن الآن لا نبحث في الدلالة الصريحة لتلك «الأحاديث» على إمامة عليٍّ (ع) أو عدم دلالتها.
إننا نسأل فقط: إذا كانت صريحة في إمامته فعلاً فكيف وصلت إلينا بعد ألف وأربعمئة عام ولم تحرّف من قبل الأعداء والناقمين ولم تُمحَ؟
إن الأعداء القادرين على تحريف القرآن والذين أخافوا الله –والعياذ بالله- من إنزال آية صريحة في شأن إمامة عليٍّ (ع)، كيف لم يستطيعوا أن يحرّفوا كلام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأحاديثه، رغم أنه بشر، أو لم يؤدوا إلى محوها من ذاكرة التاريخ؟
لنفرض جدلاً أن ما أُنزل من قَبْل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان إمامة عليٍّ (ع)، وأن المصلحة اقتضت أن لا يتم بيان ذلك بصورة آية قرآنية صريحة. حسناً، إذا كان الأمر كذلك
فلماذا لم يقل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (يوم غدير خم) بكل صراحة: «أيها الناس لقد أمرني الله تعالى من قَبْل أن أبلغكم أمر إمامة عليٍّ وولايته ولكن بسبب بعض المصالح لم أتمكن حتى الآن (أو لم أرغب) بإبلاغكم رسالة الله تلك بشكل علني،
والآن نزل عليّ ملاك الوحي من عند الله بآيةٍ تأمرني أن أبلغكم ذلك الأمر، لذا فإنني الآن اتباعاً لأمر الله، أعلن علياً (ع) بشكل رسمي إماماً عليكم وخليفة لي من بعدي؟»
لنفرض أن الله تعالى لم يرَ المصلحة في إنزال آية قرآنية صريحة في موضوع إمامة عليٍّ (ع)، أفلم يكن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قادراً على بيان مثل هذا الأمر بكل صراحة وشفافية؟ فلماذا لم يقم بذلك؟
وقال له: لا تخف من الناس وأبلغهم رسالة ربك لأن الله يعصمك من شر الأعداء والناقمين أو المنحرفين في فكرهم وفهمهم! أليس هذا تناقضاً صارخاً؟
هنا تُطرح أسئلةٌ عديدةٌ نشير إلى نماذجَ منها:
1. وفق أي رواية موثوقة أُمر النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من قَبْل (ومن قِبَلِ الله) بأن يعلن رسمياً إمامة عليٍّ (ع)؟ رجاؤنا أن تذكروا لنا حديثاً موثوقاً واحداً فقط لإثبات هذا الادعاء.
2. إذا خشي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يظن الناس أن ذلك الأمر رأيه الشخصـي فيمتنعوا عن قبوله، فلماذا تقولون إن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عرّف بعليٍّ، في أوائل أيام بعثته في الوليمة التي أقامها لأقربائه وعشيرته، بوصفه وزيره ووصيه وخليفته من بعده بصراحة تامة ثم أكّد هذا الأمر عشرات بل مئات المرات في مناسبات مختلفة؟ أليس هذا تناقضاً محضاً؟
قد تقولون لم يكن إعلان إمامة عليٍّ (ع) وخلافته في كل تلك المناسبات إعلاناً رسمياً
، ولكن السؤال:
أولاً: إذا كان المطروح هو خشية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من أن يحمل الناس إعلانه ذاك على أنه رأيه الشخصي فلا يقبلونه منه، فما الفرق بين الإعلان الرسمي وغير الرسمي لهذا الموضوع؟؟
وثانياً: طبقاً لادعاء الشيعة أبلغ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في أوائل دعوته - في الوليمة التي أقامها لعشيرته - الناسَ بإمامة عليٍّ (ع) رسمياً وبصراحةٍ تامّةٍ،
فإذا لم يكن ما يقوله الشيعة بشأن حديث «يوم الإنذار» (بمعزل عن صحة الحديث أو سقمه) تعريفاً رسمياً بعليٍّ (ع) خليفةً للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فما معنى «التعريف الرسمي» إذن؟
3. إذا كان ثمة خوف من سوء فهم الناس فإن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان بإمكانه أن يحول دون سوء الفهم هذا ببيانه الصريح والشفاف للموضوع وتأكيده على أن نَصْبه عليَّاً (ع) إماماً وخليفةً من بعده إنما هو أمرٌ من عند الله وأصلٌ من أصول الدين. فلماذا لم يقم بمثل هذا العمل؟
قد تقولون إن الظروف لم تكن تسمح للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أثناء سنوات رسالته بنَصْب عليٍّ رسمياً إماماً وخليفةً من بعده وأن هذه الظروف سنحت يوم غدير خم. لكن هذا التفسير لا يصح بوجه من الوجوه
. لأنه يطرح الإشكالات
والأسئلة التالية:
· ألم يكن الله عالماً بحقيقة أن الظروف لم تكن مناسبة لهذا العمل خلال سنوات الرسالة فلماذا إذن عهد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأمر؟
· كان يوم الغدير أثناء عودة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع إلى المدينة، برفقة جماعة قليلة من أصحابه (بعد أن تفرّق معظم المسلمين وعادوا إلى بلدانهم)،
أي كان يوم الغدير بعد عدة أيام من حجه الأخير. أفلم تكن الظروف مناسبة قبل عدة أيام من غدير خم؟
(أي أثناء مناسك الحج حيث كان مئة ألف مسلم من جميع أنحاء الجزيرة العربية يحجُّون مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم)؟
لماذا لم تنزل آية التبليغ أثناء حجة الوداع كي يعلن نبيُّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم أمام جميع المشاركين في تلك المناسك – والذين كانوا جماً غفيراً من المسلمين- إمامة عليٍّ (ع) وخلافته من بعده بشكل رسمي؟
هل كانت الظروف غير مناسبة أيضاً أيام حجة الوداع؟ إذا أجبتم بالإيجاب فإننا نسأل: إذا كانت الظروف غير مواتية طيلة عشرين عاماً وبقيت كذلك حتى أيام حجة الوداع وكانت تمنع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من أن يصدع بهذا الإعلان،
فما الذي حصل حتى زالت كل تلك الظروف المعيقة فجأةً يوم غدير خم وحلت محلها الظروف المواتية والمناسبة لهذا الأمر؟!
ألم يكن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم - طبقاً لادعاء الشيعة - مأموراً ليس بإبلاغ ما ينزل عليه من آيات الله فحسب بل بشرح تلك الآيات وتفسيرها للناس؟
· أولم تكن آية «أولي الأمر» قد نزلت قبل سنوات (أو على الأقل قبل أشهر) من واقعة غدير خم، فماذا لم يفسرها النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلا لجابر بن عبد الله فقط؟
· هل ورد التساؤل عن هوية «أولي الأمر» إلى ذهن جابر بن عبد الله فقط؟ نحن نعلم أن عبارة «أولي الأمر» في لغة العرب تعني: «أصحاب أمر الحكم»
أو بعبارة أخرى «مسؤولي الحكم». وعامة الناس تفهم من هذه الآية لزوم طاعة الحكام (لأجل حفظ النظام وانتظام أمور الناس). فإذا كان مقصود الله من
«أولي الأمر» حقيقةً أشخاصٌ معينون (أي عليُّ بن أبي طالب وأبناؤه)
أفلم يكن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مكلَّفاً ببيان هذا الأمر لجميع الناس صراحةً وعلى الملأ؟
· وإذا قلتم إن الظروف لم تكن تسمح للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأمر فإننا نسألكم فلماذا أنزل الله إذن آيةً تحتاج إلى تفسير وبيان رغم عدم وجود ظروف مناسبة لتفسيرها مِنْ قِبَل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؟
أليس إنزال آية تحتاج إلى تفسير وبيان لمصاديقها مِنْ قِبَل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الوقت ذاته خوف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (بدليل ظروف خاصة معينة)من تفسيرها وبيان المقصود منها وبقاء ذلك الخوف وتلكم الظروف حتى عدة سنوات تالية يُعَدُّ عملاً عبثياً ولغواً بل نوعاً من إضلال الناس مِنْ قِبَل الله عز وجل؟
.