عقيده الاثني عشريه في المهديّ - الموضوع الثاني
ام المهدي وتاريخ ولادته
سوف نستعرض احاديث المهدي طبقاً لما ذكره علماء رجال الشيعة أنفسهم. ورواه هذه الاحاديث فإذا قلنا إن الراوي الفلاني «مجهول الحال»
فهذا معناه أن علماء الرجال الشيعة أنفسهم حكموا بأن حاله مجهول، والمجهول هو من لا يعلم أحدٌ شيئاً عنه ولا عن إسلامه ولا عن إيمانه ولا عن عدالته أو إنصافه.
وإذا قلنا إن فلاناً «مهمل» فهذا أيضاً معناه أن علماء الرجال الشيعة الإمامية أنفسهم لم يذكروا اسمه أصلاً فأهملوا ذكره (أي لا وجود له أصلاً في كتب الرجال). وإذا قلنا عن راوٍ إنه «ضعيف» فمعنى ذلك أن علماء الرجال الشيعة مثل الشيخ الطوسي والمامقاني الحلي والنجاشي وأمثالهم اعتبروه ضعيفاً.
والضعيف هو من كانت عقائده فاسدة أو كان فاسقاً في أعماله معروفاً بالفجور، أو هو من كان كذَّاباً وضاعاً وعدواً للدين. ولما كان كتاب «بحار الأنوار» قد جمع أكثر من أي كتاب روائي شيعي آخر جميع ما ورد من أخبار وما تفرق في الكتب من أحاديث وروايات حول موضوع المهدي لذا سنقوم بدراسة وتمحيص الأخبار التي وردت في المجلدات الثلاث منه [أي المجلدات 51 و52 و53] التي خصصت لهذا الموضوع.
أم الإمام»:
1- روى المجلسيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن الشيخ الصدوق في كتابه [إكمال الدين] عن أستاذه ابْنِ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ رِزْقِ اللهِ عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: «حَدَّثَتْنِي السيِّدَةُ حَكِيمَةُ بِنْتُ الإمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ التقِيِّ قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ الإمَامُ الْحَسَنُ العسكريُّ فَقَالَ: يَا عَمَّةُ! اجْعَلِي إِفْطَارَكِ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى سَيُظْهِرُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْحُجَّةَ وهُوَ حُجَّتُهُ فِي أَرْضِهِ. قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ: ومَنْ أُمُّهُ؟ قَالَ لِي نَرْجِسُ. قُلْتُ لَهُ: واللهِ جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاكَ مَا بِهَا أَثَرٌ [من آثار الحَمْل]. فَقَالَ: هُوَ مَا أَقُولُ لَكِ... فَلَمَّا أَنْ فَرَغْتُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وأَفْطَرْتُ وأَخَذْتُ مَضْجَعِي فَرَقَدْتُ فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ فَفَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي وهِيَ [أي نرجس] نَائِمَةٌ لَيْسَ بِهَا حَادِثٌ [أي لا خبر عن وضعها لحمل!].. الحديث».بحار الأنوار، ج 51/ ص2، حديث رقم 3.
2- ويروي المجلسيُّ في كتاب «بحار الأنوار» رواية مناقضة للرواية السابقة نقلاً عن الشيخ الصدوق في كتابه (اكمالالدين) عن السيدة حكيمة قَالَتْ: «بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ سَنَةَ خَمْسٍ وخَمْسِينَ ومِائَتَيْنِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وقَالَ يَا عَمَّةُ اجْعَلِي اللَّيْلَةَ إِفْطَارَكِ عِنْدِي فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ سَيَسُرُّكِ بِوَلِيِّهِ وحُجَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي قَالَتْ حَكِيمَةُ فَتَدَاخَلَنِي لِذَلِكَ سُرُورٌ شَدِيدٌ وأَخَذْتُ ثِيَابِي عَلَيَّ وخَرَجْتُ مِنْ سَاعَتِي حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ وهُوَ جَالِسٌ فِي صَحْنِ دَارِهِ وجَوَارِيهِ حَوْلَهُ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا سَيِّدِي الْخَلَفُ مِمَّنْ هُوَ قَالَ مِنْ سَوْسَنَ فَأَدَرْتُ طَرْفِي فِيهِنَّ فَلَمْ أَرَ جَارِيَةً عَلَيْهَا أَثَرٌ [أي للحمل] غَيْرَ سَوْسَنَ. الحديث(بحار الأنوار، ج 51/ ص 17، حديث رقم 25.)
توضيح: كما لاحظنا الرواية السابقة تذكر أن اسم الجارية «نرجس» وأنه لم يكن عليها أي اثر من آثار الحَمْل، أما الرواية الأخيرة فتذكر أن اسم الجارية «سوسن» وأن أثر الحَمْل كان ظاهراً عليها!
3- ويروي المجلسيُّ في «بحار الأنوار» رواية أخرى مناقضة لكل من الروايتين السابقتين «عن بِشْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّخَّاسُ قال: أَتَانِي كَافُورٌ خَادِمُ الإمام علي النقي فَقَالَ مَوْلَانَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ يَدْعُوكَ إِلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لِي: يَا بِشْرُ! إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْصَارِ وهَذِهِ المُوَالَاةُ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرِثُهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ وأَنْتُمْ ثِقَاتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وإِنِّي مُزَكِّيكَ ومُشَرِّفُكَ بِفَضِيلَةٍ تَسْبِقُ بِهَا الشِّيعَةَ فِي المُوَالَاةِ بِسِـرٍّ أَطَّلِعُكَ عَلَيْهِ وأُنْفِذُكَ فِي ابْتِيَاعِ أَمَةٍ فَكَتَبَ كِتَاباً لَطِيفاً بِخَطٍّ رُومِيٍّ ولُغَةٍ رُومِيَّةٍ وطَبَعَ عَلَيْهِ خَاتَمَهُ وأَخْرَجَ شُقَّةً صَفْرَاءَ فِيهَا مِائَتَانِ وعِشْرُونَ دِينَاراً فَقَالَ خُذْهَا وتَوَجَّهْ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ واحْضُرْ مَعْبَرَ الْفُرَاتِ ضَحْوَةً يَوْمَ كَذَا فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى جَانِبِكَ زَوَارِيقُ السَّبَايَا وتَرَى الْجَوَارِيَ فِيهَا سَتَجِدُ طَوَائِفَ المُبْتَاعِينَ مِنْ وُكَلَاءِ قُوَّادِ بَنِي الْعَبَّاسِ وشِرْذِمَةً مِنْ فِتْيَانِ الْعَرَبِ فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَأَشْرِفْ مِنَ الْبُعْدِ عَلَى الْمُسَمَّى عُمَرَ بْنَ يَزِيدٍ النَّخَّاسَ عَامَّةَ نَهَارِكَ إِلَى أَنْ تَبْرُزَ لِلْمُبْتَاعِينَ جَارِيَةٌ صِفَتُهَا كَذَا وكَذَا لَابِسَةٌ حَرِيرَيْنِ صَفِيقَيْنِ تَمْتَنِعُ مِنَ الْعَرْضِ ولمْسِ المُعْتَرِضِ والِانْقِيَادِ لِمَنْ يُحَاوِلُ لَمسَهَا وتَسْمَعُ صَرْخَةً رُومِيَّةً مِنْ وَرَاءِ سَتْرٍ رَقِيقٍ فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَقُولُ وَا هَتْكَ سَتْرَاهْ فَيَقُولُ بَعْضُ المُبْتَاعِينَ عَلَيَّ ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ زَادَنِي الْعَفَافُ فِيهَا رَغْبَةً فَتَقُولُ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ لَوْ بَرَزْتَ فِي زِيِّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وعَلَى شِبْهِ مُلْكِهِ مَا بَدَتْ لِي فِيكَ رَغْبَةٌ فَاشْفَقْ عَلَى مَالِكَ! فَيَقُولُ النَّخَّاسُ: فَمَا الْحِيلَةُ ولا بُدَّ مِنْ بَيْعِكِ؟ فَتَقُولُ الْجَارِيَةُ: ومَا الْعَجَلَةُ؟ ولا بُدَّ مِنِ اخْتِيَارِ مُبْتَاعٍ يَسْكُنُ قَلْبِي إِلَيْهِ وإِلَى وَفَائِهِ وأَمَانَتِهِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ قُمْ إِلَى عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَّاسِ وقُلْ لَهُ إِنَّ مَعَكَ كِتَاباً مُلَطَّفَةً لِبَعْضِ الْأَشْرَافِ كَتَبَهُ بِلُغَةٍ رُومِيَّةٍ وخَطٍّ رُومِيٍّ ووَصَفَ فِيهِ كَرَمَهُ ووَفَاءَهُ ونُبْلَهُ وسَخَاءَهُ تُنَاوِلُهَا لِتَتَأَمَّلَ مِنْهُ أَخْلَاقَ صَاحِبِهِ فَإِنْ مَالَتْ إِلَيْهِ ورَضِيَتْهُ فَأَنَا وَكِيلُهُ فِي ابْتِيَاعِهَا مِنْكَ قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ فَامْتَثَلْتُ جَمِيعَ مَا حَدَّهُ لِي مَوْلَايَ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَمْرِ الْجَارِيَةِ فَلَمَّا نَظَرَتْ فِي الْكِتَابِ بَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً وقَالَتْ لِعُمَرَ بْنِ يَزِيدَ بِعْنِي مِنْ صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ وحَلَفَتْ بِالْمُحَرِّجَةِ والْمُغَلَّظَةِ أَنَّهُ مَتَى امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا مِنْهُ قَتَلَتْ نَفْسَهَا فَمَا زِلْتُ أُشَاحُّهُ فِي ثَمَنِهَا حَتَّى اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مِقْدَارِ مَا كَانَ أَصْحَبَنِيهِ مَوْلَايَ مِنَ الدَّنَانِيرِ فَاسْتَوْفَاهُ وتَسَلَّمْتُ الْجَارِيَةَ ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً وانْصَرَفْتُ بِهَا إِلَى الْحُجَيْرَةِ الَّتِي كُنْتُ آوَى إِلَيْهَا بِبَغْدَادَ فَمَا أَخَذَهَا الْقَرَارُ حَتَّى أَخْرَجَتْ كِتَابَ مَوْلَانَا مِنْ جَيْبِهَا وهِيَ تَلْثِمُهُ وتُطْبِقُهُ عَلَى جَفْنِهَا وتَضَعُهُ عَلَى خَدِّهَا وتَمْسَحُهُ عَلَى بَدَنِهَا فَقُلْتُ تَعَجُّباً مِنْهَا تَلْثِمِينَ كِتَاباً لا تَعْرِفِينَ صَاحِبَهُ فَقَالَتْ أَيُّهَا الْعَاجِزُ الضَّعِيفُ الْمَعْرِفَةِ بِمَحَلِّ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ أَعِرْنِي سَمْعَكَ وفَرِّغْ لِي قَلْبَكَ أَنَا مَلِيكَةُ بِنْتُ يَشُوعَا بْنِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ.......
[وتحكي قصتها ثم يواصل «بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ» حديثه فيقول]:
قَالَ بِشْرٌ: فَلَمَّا انْكَفَأْتُ بِهَا إِلَى سامراء دَخَلَتْ عَلَى مَوْلَايَ الإمَامِ عَليٍّ النَّقِيِّ فَقَالَ: كَيْفَ أَرَاكِ اللهُ عِزَّ الإسْلامِ وذُلَّ النَّصْـرَانِيَّةِ وشَرَفَ مُحَمَّدٍ وأَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَيْفَ أَصِفُ لَكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي؟ قَالَ: فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكْرِمَكِ فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ أَمْ بُشْرَى لَكِ بِشَرَفِ الْأَبَدِ قَالَتْ بُشْـرَى بِوَلَدٍ لِي قَالَ لَهَا أَبْشِرِي بِوَلَدٍ يَمْلِكُ الدُّنْيَا شَرْقاً وغَرْباً ويَمْلا الْأَرْضَ قِسْطاً وعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً قَالَتْ مِمَّنْ قَالَ مِمَّنْ خَطَبَكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَهُ لَيْلَةَ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا بِالرُّومِيَّةِ قَالَ لَهَا مِمَّنْ زَوَّجَكِ المَسِيحُ ووَصِيُّهُ قَالَتْ مِنِ ابْنِكَ أَبِي مُحَمَّدٍ فَقَالَ هَلْ تَعْرِفِينَهُ قَالَتْ وهَلْ خَلَتْ لَيْلَةٌ لَمْ يَزُرْنِي فِيهَا مُنْذُ اللَّيْلَةِ الَّتِي أَسْلَمْتُ عَلَى يَدِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ قَالَ فَقَالَ مَوْلَانَا يَا كَافُورُ ادْعُ أُخْتِي حَكِيمَةَ فَلَمَّا دَخَلَتْ قَالَ لَهَا هَا هِيَهْ فَاعْتَنَقَتْهَا طَوِيلاً وسَرَّتْ بِهَا كَثِيراً. فَقَالَ لَهَا أَبُو الْحَسَنِ: يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ! خُذِيهَا إِلَى مَنْزِلِكِ وعَلِّمِيهَا الْفَرَائِضَ والسُّنَنَ فَإِنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ وأُمُّ الْقَائِمِ (بحار الأنوار، ج 51/ ص 6 - 10، حديث رقم 12.)
توضيح: أولاً:
ذكر في هذه الرواية أن اسم الجارية هو «مليكة» مما يتناقض مع ما ذكر في الروايتين السابقتين. ثانياً: في الروايتين السابقتين تسأل السيدة «حكيمة» الإمام الحسن العسكري: من هي أم القائم؟ فيجيب: «نرجس». ولكن في هذه الرواية يظهر أنه قبل أن يتزوج الإمام الحسن العسكري من «نرجس» كانت حكيمة تعلم من هي أم القائم، لأن الإمام العاشر عرفها بها وقال لها: هذه أم القائم. فهذا تناقض واضح آخر.
4- الرواية الرابعة التي تناقض كل ما سبق، يرويها المجلسـيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن كتاب «إكمال الدين» للصدوق بسنده عن «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُطَهَّرِيِّ قَالَ قَصَدْتُ حَكِيمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ بَعْدَ مُضِـيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ أَسْأَلُهَا عَنِ الحُجَّةِ ومَا قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الحَيْرَةِ الَّتِي فِيهَا فَقَالَتْ لِي اجْلِسْ فَجَلَسْتُ ثُمَّ قَالَتْ لِي يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى لا يُخَلِّي الأَرْضَ مِنْ حُجَّةٍ نَاطِقَةٍ أَوْ صَامِتَةٍ ولَمْ يَجْعَلْهَا فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الحَسَنِ والْحُسَيْنِ تَفْضِيلاً لِلْحَسَنِ والْحُسَيْنِ وتَمْيِيزاً لَهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي الأَرْضِ عَدِيلُهُمَا إِلا أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى خَصَّ وُلْدَ الحُسَيْنِ بِالْفَضْلِ عَلَى وُلْدِ الحَسَنِ كَمَا خَصَّ وُلْدَ هَارُونَ عَلَى وُلْدِ مُوسَى وإِنْ كَانَ مُوسَى حُجَّةً عَلَى هَارُونَ والْفَضْلُ لِوُلْدِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ولا بُدَّ لِلْأُمَّةِ مِنْ حَيْرَةٍ يَرْتَابُ فِيهَا المُبْطِلُونَ ويَخْلُصُ فِيهَا المُحِقُّونَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وإِنَّ الحَيْرَةَ لا بُدَّ وَاقِعَةٌ بَعْدَ مُضِـيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ فَقُلْتُ يَا مَوْلَاتِي هَلْ كَانَ لِلْحَسَنِ وَلَدٌ فَتَبَسَّمَتْ ثُمَّ قَالَتْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَسَنِ عَقِبٌ فَمَنِ الحِجَّةُ مِنْ بَعْدِهِ وقَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ الإِمَامَةَ لا تَكُونُ لِأَخَوَيْنِ بَعْدَ الحَسَنِ والْحُسَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدَتِي حَدِّثِينِي بِوِلَادَةِ مَوْلَايَ وغَيْبَتِهِ؟ قال [قَالَتْ]: نَعَمْ كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا نَرْجِسُ فَزَارَنِي ابْنُ أَخِي وأَقْبَلَ يُحِدُّ النَّظَرَ إِلَيْهَا فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي! لَعَلَّكَ هَوِيتَهَا فَأُرْسِلُهَا إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: لا يَا عَمَّةُ لَكِنِّي أَتَعَجَّبُ مِنْهَا. فَقُلْتُ: ومَا أَعْجَبَكَ؟؟ فَقَالَ: سَيَخْرُجُ مِنْهَا وَلَدٌ كَرِيمٌ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ الَّذِي يَمْلا اللهُ بِهِ الأَرْضَ عَدْلاً وقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وظُلْماً. فَقُلْتُ: فَأُرْسِلُهَا إِلَيْكَ يَا سَيِّدِي؟ فَقَالَ: اسْتَأْذِنِي فِي ذَلِكَ أَبِي. قَالَتْ فَلَبِسْتُ ثِيَابِي وأَتَيْتُ مَنْزِلَ أَبِي الحَسَنِ فَسَلَّمْتُ وجَلَسْتُ فَبَدَأَنِي وقَالَ يَا حَكِيمَةُ ابْعَثِي بِنَرْجِسَ إِلَى ابْنِي أَبِي مُحَمَّدٍ. قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي عَلَى هَذَا قَصَدْتُكَ أَنْ أَسْتَأْذِنَكَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا مُبَارَكَةُ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَكِ فِي الأَجْرِ ويَجْعَلَ لَكِ فِي الخَيْرِ نَصِيباً. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي وزَيَّنْتُهَا ووَهَبْتُهَا لِأَبِي مُحَمَّدٍ وجَمَعْتُ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا فِي مَنْزِلِي فَأَقَامَ عِنْدِي أَيَّاماً ثُمَّ مَضـَى إِلَى وَالِدِهِ، ووَجَّهْتُ بِهَا مَعَهُ. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَمَضَى أَبُو الحَسَنِ وجَلَسَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكَانَ وَالِدِهِ وكُنْتُ أَزُورُهُ كَمَا كُنْتُ أَزُورُ وَالِدَهُ فَجَاءَتْنِي نَرْجِسُ يَوْماً تَخْلَعُ خُفِّي وقَالَتْ يَا مَوْلَاتِي نَاوِلْنِي خُفَّكِ فَقُلْتُ بَلْ أَنْتِ سَيِّدَتِي ومَوْلَاتِي واللهِ لا دَفَعْتُ إِلَيْكِ خُفِّي لِتَخْلَعِيهِ ولا خَدَمْتِينِي بَلْ أَخْدُمُكِ عَلَى بَصَرِي فَسَمِعَ أَبُو مُحَمَّدٍ ذَلِكَ فَقَالَ: جَزَاكِ اللهُ خَيْراً يَا عَمَّةُ! فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ إِلَى وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَصِحْتُ بِالْجَارِيَةِ وقُلْتُ: نَاوِلِينِي ثِيَابِي لِأَنْصَـرِفَ.... الحديث(بحار الأنوار، ج 51/ ص 11 - 12، حديث رقم 14.)
توضيح: يتبـيَّن من هذه الرواية أن
«حكيمة» كانت تعلم بالأمر قبل أن يتزوج الإمام الحسن العسكريمن تلك الجارية، بل هي التي هيئتها له للزفاف، ولكن الروايتين الأوليين ذكرتا أنه عندما حملت الجارية بالمهدي لم تكن «حكيمة» تعلم بالقضية أصلاً! وهذا تناقض واضح.
وثانياً: جاء في هذه الرواية:
«..قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَمَضَـى أَبُو الحَسَنِ [الإمام علي النقي] وجَلَسَ أَبُو مُحَمَّدٍ [الإمام الحسن العسكري] مَكَانَ وَالِدِهِ وكُنْتُ أَزُورُهُ كَمَا كُنْتُ أَزُورُ وَالِدَهُ، فَجَاءَتْنِي نَرْجِسُ يَوْماً تَخْلَعُ خُفِّي..». أي أن حكيمة ذهبت صدفةً إلى منزل الإمام الحسن العسكري، في حين أن الروايتين الأوليين ذكرتا أن الإمام العسكري هو الذي نادى حكيمة وطلبها إليه وقال لها: «يَا عَمَّةُ! اجْعَلِي إِفْطَارَكِ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ..»، فهذا أيضاً تناقضٌ جليٌّ آخر.
ثالثاً : هذه الرواية تبين أن «نرجس» كانت جارية «حكيمة»،
وأنه قبل أن يتزوجها الإمام الحسن العسكري لم تكن «حكيمة» تعلم أنها ستكون أم الإمام القائم، في حين أن الرواية الثالثة ذكرت أن الإمام علي النقي هو الذي عرَّف حكيمة بنرجس وقال لها: «هذه أم القائم!» فهذا تناقض واضح آخر أيضاً.
5- الرواية الخامسة التي تناقض كل ما سبق: يرويها المجلسـيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن كتاب «إكمال الدين» بسنده «عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الخَيْزَرَانِيِّ عَنْ جَارِيَةٍ لَهُ كَانَ أَهْدَاهَا لِأَبِي مُحَمَّدٍ... قَالَ أَبُو عَلِيٍّ [الخَيْزَرَانِيُّ] فَحَدَّثَتْنِي أَنَّهَا حَضَرَتْ وِلَادَةَ السَّيِّدِ وأَنَّ اسْمَ أُمِّ السَّيِّدِ صَقِيلُ وأَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ حَدَّثَهَا بِمَا جَرَى عَلَى عِيَالِهِ فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا بِأَنْ يَجْعَلَ مَنِيَّتَهَا قَبْلَهُ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ فِي حَيَاةِ أَبِي مُحَمَّدٍ.» ( بحار الأنوار، ج 51/ ص 5، حديث رقم 10. )
كيفية ولادة القائم!
توضيح: الروايات التي نذكرها هنا هي بقية الروايات التي ذكرناها بشأن أم الإمام القائم، حيث اقتصرنا هناك على ما يتعلق باسم أم القائم وأوصافها فيها، لكي نرى مدى التناقض في ذلك بينها. وهنا نكمل متون تلك الروايات لنرى تناقضاتها فيما تذكره بشأن كيفية ولادة القائم:
1- بقية الحديث الأول الذي أوردناه في الفقرة السابقة: «ثُمَّ جَلَسْتُ مُعَقِّبَةً ثُمَّ اضْطَجَعْتُ ثُمَّ انْتَبَهْتُ فَزِعَةً وهِيَ رَاقِدَةٌ ثُمَّ قَامَتْ فَصَلَّتْ قَالَتْ حَكِيمَةُ فَدَخَلَتْنِي الشُّكُوكُ فَصَاحَ بِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنَ المَجْلِسِ فَقَالَ لا تَعْجَلِي يَا عَمَّةُ فَإِنَّ الأَمْرَ قَدْ قَرُبَ قَالَتْ فَقَرَأْتُ الم السَّجْدَةَ ويس فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكِ إِذَا انْتَبَهَتْ فَزِعَةً فَوَثَبْتُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ اسْمُ اللهِ عَلَيْكَ ثُمَّ قُلْتُ لَهَا تَحِسِّينَ شَيْئاً قَالَتْ نَعَمْ يَا عَمَّةُ فَقُلْتُ لَهَا اجْمَعِي نَفْسَكِ واجْمَعِي قَلْبَكِ فَهُوَ مَا قُلْتُ لَكِ قَالَتْ حَكِيمَةُ ثُمَّ أَخَذَتْنِي فَتْرَةٌ وأَخَذَتْهَا فِطْرَةٌ فَانْتَبَهْتُ بِحِسِّ سَيِّدِي فَكَشَفْتُ الثَّوْبَ عَنْهُ فَإِذَا أَنَا بِهِ سَاجِداً يَتَلَقَّى الأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ فَإِذَا أَنَا بِهِ نَظِيفٌ مُنَظَّفٌ فَصَاحَ بِي أَبُو مُحَمَّدٍ هَلُمِّي إِلَيَّ ابْنِي يَا عَمَّةُ فَجِئْتُ بِهِ إِلَيْهِ فَوَضَعَ يَدَيْهِ تَحْتَ أَلْيَتَيْهِ وظَهْرِهِ ووَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِهِ ثُمَّ أَدْلَى لِسَانَهُ فِي فِيهِ وأَمَرَّ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وسَمْعِهِ ومَفَاصِلِهِ ثُمَّ قَالَ تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثُمَّ صَلَّى عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وعَلَى الأَئِمَّةِ إِلَى أَنْ وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ... الحديث»( (بحار الأنوار، ج 51/ ص 2-3، حديث رقم 3.)
توضيح: يظهر من هذه الرواية أن «حكيمة» لم تر ما حلَّ بالطفل الوليد، إلى أن جاءت الإمام العسكري بالوليد في اليوم السابع لولادته. فلنقارن هذا بما ذكرته بقية الرواية الرابعة التي أوردناها في الفقرة الماضية:
«فَقَالَ: يَا عَمَّتَاهُ! بِيتِيَ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ سَيُولَدُ اللَّيْلَةَ المَوْلُودُ الكَرِيمُ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ الَّذِي يُحْيِي اللهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قُلْتُ مِمَّنْ يَا سَيِّدِي ولَسْتُ أَرَى بِنَرْجِسَ شَيْئاً مِنْ أَثَرِ الحَمْلِ. فَقَالَ: مِنْ نَرْجِسَ لا مِنْ غَيْرِهَا. قَالَتْ: فَوَثَبْتُ إِلَى نَرْجِسَ فَقَلَبْتُهَا ظَهْراً لِبَطْنٍ فَلَمْ أَرَ بِهَا أَثَراً مِنْ حَبَلٍ فَعُدْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا فَعَلْتُ، فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ لِي: إِذَا كَانَ وَقْتُ الفَجْرِ يَظْهَرُ لَكِ بِهَا الحَبَلُ لِأَنَّ مَثَلَهَا مَثَلُ أُمِّ مُوسَى لَمْ يَظْهَرْ بِهَا الحَبَلُ ولَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَحَدٌ( قوله إن أم موسى لم تظهر عليها آثار الحبل من الشواهد على كذب هذه الرواية، لأننا إذا رجعنا إلى «التوراة»، وإلى سفر الخروج (الآية 16 فما بعد) منها رأينا أن سبب بقاء «موسى» حياً كان خوف القابلة (المولدة) من الله، وفيما يلي نص ذلك: «15وَكَلَّمَ مَلِكُ مِصْـرَ قَابِلَتَيِ الْعِبْرَانِيَّاتِ اللَّتَيْنِ اسْمُ إِحْدَاهُمَا شِفْرَةُ وَاسْمُ الأُخْرَى فُوعَةُ 16وَقَالَ: «حِينَمَا تُوَلِّدَانِ الْعِبْرَانِيَّاتِ وَتَنْظُرَانِهِنَّ عَلَى الْكَرَاسِـيِّ إِنْ كَانَ ابْناً فَاقْتُلاَهُ وَإِنْ كَانَ بِنْتاً فَتَحْيَا». 17وَلَكِنَّ الْقَابِلَتَيْنِ خَافَتَا اللهَ وَلَمْ تَفْعَلاَ كَمَا كَلَّمَهُمَا مَلِكُ مِصْـرَ بَلِ اسْتَحْيَتَا الأَوْلاَدَ.». )
إِلَى وَقْتِ وِلَادَتِهَا لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَشُقُّ بُطُونَ الحَبَالَى فِي طَلَبِ مُوسَى وهَذَا نَظِيرُ مُوسَى قَالَتْ حَكِيمَةُ فَلَمْ أَزَلْ أَرْقُبُهَا إِلَى وَقْتِ طُلُوعِ الفَجْرِ وهِيَ نَائِمَةٌ بَيْنَ يَدَيَّ لا تَقْلِبُ جَنْباً إِلَى جَنْبٍ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَقْتَ طُلُوعِ الفَجْرِ وَثَبَتْ فَزِعَةً فَضَمَمْتُهَا إِلَى صَدْرِي وسَمَّيْتُ عَلَيْهَا فَصَاحَ أَبُو مُحَمَّدٍ وقَالَ: اقْرَئِي عَلَيْهَا إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ. فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهَا وقُلْتُ لَهَا: مَا حَالُكِ؟ قَالَتْ: ظَهَرَ الأَمْرُ الَّذِي أَخْبَرَكِ بِهِ مَوْلَايَ. فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهَا كَمَا أَمَرَنِي فَأَجَابَنِي الجَنِينُ مِنْ بَطْنِهَا يَقْرَأُ كَمَا أَقْرَأُ وسَلَّمَ عَلَيَّ. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَفَزِعْتُ لِمَا سَمِعْتُ فَصَاحَ بِي أَبُو مُحَمَّدٍ: لا تَعْجَبِي مِنْ أَمْرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى يُنْطِقُنَا بِالْحِكْمَةِ صِغَاراً ويَجْعَلُنَا حُجَّةً فِي أَرْضِهِ كِبَاراً فَلَمْ يَسْتَتِمَّ الكَلَامَ حَتَّى غِيبَتْ عَنِّي نَرْجِسُ فَلَمْ أَرَهَا كَأَنَّهُ ضُرِبَ بَيْنِي وبَيْنَهَا حِجَابٌ فَعَدَوْتُ نَحْوَ أَبِي مُحَمَّدٍ وأَنَا صَارِخَةٌ فَقَالَ لِي: ارْجِعِي يَا عَمَّةُ فَإِنَّكِ سَتَجِدِيهَا فِي مَكَانِهَا. قَالَتْ: فَرَجَعْتُ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ كُشِفَ الحِجَابُ بَيْنِي وبَيْنَهَا وإِذَا أَنَا بِهَا وعَلَيْهَا مِنْ أَثَرِ النُّورِ مَا غَشِـيَ بَصَرِي وإِذَا أَنَا بِالصَّبِيِّ سَاجِداً عَلَى وَجْهِهِ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ رَافِعاً سَبَّابَتَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وهُوَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَنَّ جَدِّي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وأَنَّ أَبِي أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ ثُمَّ عَدَّ إِمَاماً إِمَاماً إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي وَعْدِي وأَتْمِمْ لِي أَمْرِي وثَبِّتْ وَطْأَتِي وامْلا الأَرْضَ بِي عَدْلاً وقِسْطاً. فَصَاحَ أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ فَقَالَ: يَا عَمَّةُ! تَنَاوَلِيهِ فَهَاتِيهِ فَتَنَاوَلْتُهُ وأَتَيْتُ بِهِ نَحْوَهُ فَلَمَّا مَثَلْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهِ وهُوَ عَلَى يَدَيَّ سَلَّمَ عَلَى أَبِيهِ فَتَنَاوَلَهُ الحَسَنُ والطَّيْرُ تُرَفْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ فَصَاحَ بِطَيْرٍ مِنْهَا فَقَالَ: لَهُ احْمِلْهُ واحْفَظْهُ ورُدَّهُ إِلَيْنَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْماً فَتَنَاوَلَهُ الطَّائِرُ وطَارَ بِهِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ وأَتْبَعَهُ سَائِرُ الطَّيْرِ فَسَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ: أَسْتَوْدِعُكَ الَّذِي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى فَبَكَتْ نَرْجِسُ فَقَالَ لَهَا اسْكُتِي فَإِنَّ الرَّضَاعَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ إِلا مِنْ ثَدْيِكِ وسَيُعَادُ إِلَيْكِ كَمَا رُدَّ مُوسَى إِلَى أُمِّهِ ( ينبغي أن نعلم أنه طبقاً لما جاء في القرآن الكريم وكذلك في نص التوراة، وضعت أم موسى ابنها في صندوق ووضعته في نهر النيل فالتقطه آل فرعون وأتوا به منزل فرعون، ثم حرم الله عليه المراضع فجاءت أم موسى فأرضعته، وردَّه الله تعالى إليها بهذه الطريقة، وليس في واقع القصة أن أم موسى عهدت بوليدها إلى طائر، ولا ذكرٌ لطائر أصلاً في ذلك الموضوع)
وذَلِكِ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ ﴿فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها ولا تَحْزَنَ﴾ قَالَتْ: حَكِيمَةُ فَقُلْتُ مَا هَذَا الطَّائِرُ؟ قَالَ: هَذَا رُوحُ القُدُسِ المُوَكَّلُ بِالْأَئِمَّةِ يُوَفِّقُهُمْ ويُسَدِّدُهُمْ ويُرَبِّيهِمْ بِالْعِلْمِ. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا أَنْ كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً رُدَّ الغُلَامُ ووَجَّهَ إِلَيَّ ابْنُ أَخِي. فَدَعَانِي فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٍّ مُتَحَرِّكٌ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ: سَيِّدِي هَذَا ابْنُ سَنَتَيْنِ!! فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَوْلَادَ الأَنْبِيَاءِ والْأَوْصِيَاءِ إِذَا كَانُوا أَئِمَّةً يَنْشَئُونَ بِخِلَافِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُهُمْ، وإِنَّ الصَّبِيَّ مِنَّا إِذَا أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ كَانَ كَمَنْ يَأْتِي عَلَيْهِ سَنَةٌ، وإِنَّ الصَّبِيَّ مِنَّا لَيَتَكَلَّمُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ويَقْرَأُ القُرْآنَ ويَعْبُدُ رَبَّهُ عَزَّ وجَلَّ وعِنْدَ الرَّضَاعِ تُطِيعُهُ المَلَائِكَةُ وتَنْزِلُ عَلَيْهِ كُلَّ صَبَاحٍ ومَسَاءٍ..... الحديث (بحار الأنوار، ج 51/ ص 13 - 14، حديث رقم 14. )
توضيح : من هذه الرواية يظهر أن الولد أُعطي لطائر وأن الطائر أخذه أربعين يوماً وأن هذا الأمر تم منذ ابتداء ولادته في حين أن الرواية السابقة قالت إن «حكيمة» ذهبت في اليوم السابع ورأت الطفل! فهذا تناقض واضح وصارخ بين الروايتين!
والآن لنر ما جاء في بقية الرواية الثانية التي نقلها المجلسـيُّ في «بحار الأنوار» عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي:
تقول «حكيمة»: «بَعَثَ إِلَيَّ الإمام الحسن العسكري سَنَةَ 255هـ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وقَالَ: يَا عَمَّةُ! اجْعَلِي اللَّيْلَةَ إِفْطَارَكِ عِنْدِي فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ سَيَسُـرُّكِ بِوَلِيِّهِ وحُجَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي. قَالَتْ: حَكِيمَةُ فَتَدَاخَلَنِي لِذَلِكَ سُرُورٌ شَدِيدٌ وأَخَذْتُ ثِيَابِي عَلَيَّ وخَرَجْتُ مِنْ سَاعَتِي حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ وهُوَ جَالِسٌ فِي صَحْنِ دَارِهِ وجَوَارِيهِ حَوْلَهُ فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا سَيِّدِي الخَلَفُ مِمَّنْ هُوَ قَالَ مِنْ سَوْسَنَ فَأَدَرْتُ طَرْفِي فِيهِنَّ فَلَمْ أَرَ جَارِيَةً عَلَيْهَا أَثَرٌ غَيْرَ «سَوْسَنَ»! قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا أَنْ صَلَّيْتُ المَغْرِبَ والْعِشَاءَ الآخِرَةَ أَتَيْتُ بِالْمَائِدَةِ فَأَفْطَرْتُ أَنَا وسَوْسَنُ وبَايَتُّهَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَغَفَوْتُ غَفْوَةً ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ فَلَمْ أَزَلْ مُفَكِّرَةً فِيمَا وَعَدَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ أَمْرِ وَلِيِّ اللهِ فَقُمْتُ قَبْلَ الوَقْتِ الَّذِي كُنْتُ أَقُومُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ اللَّيْلِ حَتَّى بَلَغْتُ إِلَى الوَتْرِ فَوَثَبَتْ «سَوْسَنَ» فَزِعَةً وخَرَجَتْ وأَسْبَغَتِ الوُضُوءَ ثُمَّ عَادَتْ فَصَلَّتْ صَلَاةَ اللَّيْلِ وبَلَغَتْ إِلَى الوَتْرِ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ الفَجْرَ قَدْ قَرُبَ فَقُمْتُ لِأَنْظُرَ فَإِذَا بِالْفَجْرِ الأَوَّلِ قَدْ طَلَعَ فَتَدَاخَلَ قَلْبِيَ الشَّكُّ مِنْ وَعْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ فَنَادَانِي مِنْ حُجْرَتِهِ: لا تَشُكِّي وكَأَنَّكِ بِالْأَمْرِ السَّاعَةَ قَدْ رَأَيْتِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ. قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ ومِمَّا وَقَعَ فِي قَلْبِي ورَجَعْتُ إِلَى البَيْتِ وأَنَا خَجِلَةٌ فَإِذَا هِيَ قَدْ قَطَعَتِ الصَّلَاةَ وخَرَجَتْ فَزِعَةً فَلَقِيتُهَا عَلَى بَابِ البَيْتِ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتِ وأُمِّي هَلْ تَحِسِّينَ شَيْئاً. قَالَتْ: نَعَمْ يَا عَمَّةُ إِنِّي لَأَجِدُ أَمْراً شَدِيداً، قُلْتُ: لا خَوْفَ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللهُ وأَخَذْتُ وِسَادَةً فَأَلْقَيْتُهَا فِي وَسَطِ البَيْتِ وأَجْلَسْتُهَا عَلَيْهَا وجَلَسْتُ مِنْهَا حَيْثُ تَقْعُدُ المَرْأَةُ مِنَ المَرْأَةِ لِلْوِلَادَةِ فَقَبَضَتْ عَلَى كَفِّي وغَمَزَتْ غَمْزَةً شَدِيدَةً ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً وتَشَهَّدَتْ ونَظَرْتُ تَحْتَهَا فَإِذَا أَنَا بِوَلِيِّ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ مُتَلَقِّياً الأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ فَأَخَذْتُ بِكَتِفَيْهِ فَأَجْلَسْتُهُ فِي حَجْرِي وإِذَا هُوَ نَظِيفٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ فَنَادَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ: يَا عَمَّةُ هَلُمِّي فَأْتِينِي بِابْنِي فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَتَنَاوَلَهُ وأَخْرَجَ لِسَانَهُ فَمَسَحَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ فَفَتَحَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ فَحَنَّكَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي أُذُنَيْهِ وأَجْلَسَهُ فِي رَاحَتِهِ اليُسْرَى فَاسْتَوَى وَلِيُّ اللهِ جَالِساً فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ انْطِقْ بِقُدْرَةِ اللهِ فَاسْتَعَاذَ وَلِيُّ اللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ واسْتَفْتَحَ: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَـهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (القصص/5-6). وصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللهِ وعَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ والْأَئِمَّةِ وَاحِداً وَاحِداً حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَبِيهِ فَنَاوَلَنِيهِ أَبُو مُحَمَّدٍ وقَالَ: يَا عَمَّةُ! رُدِّيهِ إِلَى أُمِّهِ حَتَّى تَقَرَّ عَيْنُها ولا تَحْزَنَ ولِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ فَرَدَدْتُهُ إِلَى أُمِّهِ وقَدِ انْفَجَرَ الفَجْرُ الثَّانِي فَصَلَّيْتُ الفَرِيضَةَ وعَقَّبْتُ إِلَى أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ وَدَّعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ وانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ اشْتَقْتُ إِلَى وَلِيِّ اللهِ فَصِرْتُ إِلَيْهِمْ فَبَدَأْتُ بِالْحُجْرَةِ الَّتِي كَانَتْ «سَوْسَنَ» فِيهَا فَلَمْ أَرَ أَثَراً ولا سَمِعْتُ ذِكْراً فَكَرِهْتُ أَنْ أَسْأَلَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَبْدَأَهُ بِالسُّؤَالِ فَبَدَأَنِي فَقَالَ: يَا عَمَّةُ! فِي كَنَفِ اللهِ وحِرْزِهِ وسَتْرِهِ وعَيْنِهِ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ لَهُ... الحديث».بحار الأنوار، ج 51/ ص 17 - 18، حديث رقم 25.
توضيح : في هذه الرواية أم الأمام هي «سَوْسَنَ» وكان عليها أثر الحمل، أما في الروايات الأخرى فأم الإمام «نرجس» ولم يكن عليها أثر الحمل! فهذا تناقض واضح أول. وأما التناقض الواضح الثاني بين هذه الرواية والرواية السابقة فهو أن هذه الرواية تذكر أن الإمام غاب منذ اليوم الثالث أما الرواية السابقة فتذكر أن الإمام أُعطِيَ إلى طائر منذ أول يوم لولادته فغاب معه أربعين يوماً، وفي الرواية الأخرى ذُكر أن «حكيمة» ورأت الطفل في اليوم السابع لولادته!
أما الرواية الأخرى التي رواها المجلسـيُّ في «بحار الأنوار» نقلاً عن كتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي عن «محمد بن إبراهيم» أن السيدة «حكيمة» قالت: «بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وخَمْسِينَ ومِائَتَيْنِ قَالَتْ وقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ مَنْ أُمُّهُ قَالَ نَرْجِسُ
قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ اشْتَدَّ شَوْقِي إِلَى وَلِيِّ اللهِ فَأَتَيْتُهُمْ عَائِدَةً فَبَدَأْتُ بِالْحُجْرَةِ الَّتِي فِيهَا الجَارِيَةُ فَإِذَا أَنَا بِهَا جَالِسَةً فِي مَجْلِسِ المَرْأَةِ النُّفَسَاءِ وعَلَيْهَا أَثْوَابٌ صُفْرٌ وهِيَ مُعَصَّبَةُ الرَّأْسِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا والْتَفَتُّ إِلَى جَانِبِ البَيْتِ وإِذَا بِمَهْدٍ عَلَيْهِ أَثْوَابٌ خُضْرٌ فَعَدَلْتُ إِلَى المَهْدِ ورَفَعْتُ عَنْهُ الأَثْوَابَ فَإِذَا أَنَا بِوَلِيِّ اللهِ نَائِمٌ عَلَى قَفَاهُ غَيْرَ مَحْزُومٍ ولا مَقْمُوطٍ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وجَعَلَ يَضْحَكُ ويُنَاجِينِي بِإِصْبَعِهِ فَتَنَاوَلْتُهُ وأَدْنَيْتُهُ إِلَى فَمِي لِأُقَبِّلَهُ فَشَمَمْتُ مِنْهُ رَائِحَةً مَا شَمَمْتُ قَطُّ أَطْيَبَ مِنْهَا ونَادَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَا عَمَّتِي هَلُمِّي فَتَايَ إِلَيَّ فَتَنَاوَلَهُ وقَالَ يَا بُنَيَّ انْطِقْ.... الحديث». بحار الأنوار ج 51/ ص 19، حديث رقم 26.
توضيح : كما رأينا جاء في هذه الرواية أن «حكيمة» ذهبت في اليوم الثالث لرؤية الطفل حديث الولادة وأنها دخلت غرفة «نرجس» ووجدت الطفل في المهد،
في حين أن الرواية السابقة ذكرت أن «حكيمة» ذهبت إلى غرفة نرجس في اليوم الثالث لولادتها فلم تر الطفل فلمّا استفسرتُ من الإمام العسكري قال لها: «يَا عَمَّةُ! فِي كَنَفِ اللهِ وحِرْزِهِ وسَتْرِهِ وعَيْنِهِ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ لَهُ». فهذا تناقض واضح.
إلى هنا ذكرنا بعض الروايات المذكورة في «بحار الأنوار»
بشأن أم إمام الزمان وكيفية ولادته. وقبل أن ننهي هذا المبحث نودُّ أن نلاحظ بعض الأمور التي وردت في متون تلك الروايات، التي يعتقد الشيعة بصحتها، ونعلّق عليها:
يظهر من الرواية الثالثة أن الإمام علي النقي يعلم الغيب وما سيقع في المستقبل، حيث قال لخادمه «كافور» اذهب وافعل كذا وكذا وستجد تلك الأمة في السفينة فقل كذا وافعل كذا.. الخ، هذا في حين أن مثل هذا الأمر لا يصح لأن الله تعالى يقول في القرآن الكريم: ﴿... وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ... ﴾ (لقمان/34).
وإذا رأينا في القرآن أن الله تعالى يخبرنا بأنه في بضع سنين – أي بعد 3 إلى 9 سنوات – ستقع حرب بين الفرس (إيران) والروم وسينتصر فيها الروم على الفرس فهذا لأن الله خالق المستقبل ويعلم به، وقد أطلع نبيه الكريم على ذلك. أو قال تعالى مثلاً في سورة الجن:
﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا؟﴾ (الجن/25)، ثم أعقب ذلك بقوله: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ (الجن/26-27).
فهذه الآيات الكريمة تدل على أن الله تعالى يطلع من يشاء من أنبيائه ورسله على الغيب، ولكن بما أن الإمام علي النقي لم يكن لا نبياً ولا رسولاً فلا تشمله هذه الآية، بل يشمله قوله تعالى:
﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا...﴾ (لقمان/34)
، فنسبة علم الغيب إلى الإمام دليل آخر -يُضاف إلى ما ذكرناه من أدلة - على كذب تلك الروايات.
والأمر الثاني أن تلك الروايات ذكرت أن الإمام المهدي «حجة الله على عباده» والشيعة تؤمن فعلاً بهذا الأمر، هذا في حين أن الله تعالى يبين لنا في القرآن أنه أتم الحجة على الناس برسله وأنه باختتام الرسل تمَّت حجة الله وانتهت:
قال تعالى: ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ (النساء/165).
وإذا تدبرنا الآية التي جاءت قبل هذه الآية مباشرةً وجدناها تقول:
﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا. وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً. رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء/163- 165].
فهذه الآيات تبيِّن بوضوح أن الله تعالى أتم الحجة على عباده برسله وبواسطة كتبهم وتعاليمهم، وقد جاء نحو ذلك في الخطبة رقم 90 المعروفة باسم «خطبة الأشباح» في «نهج البلاغة» ونصه:
«فَأَهْبَطَهُ [أي آدم عليه السلام] بَعْدَ التَّوْبَةِ لِيَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ ولِيُقِيمَ الحُجَّةَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ ولَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ ويَصِلُ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ ومُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاتِهِ قَرْناً فَقَرْناً حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) حُجَّتُهُ وبَلَغَ المَقْطَعَ عُذْرُهُ ونُذُرُهُ».
أما عقلاً: فإذا قلنا إن حجة الله بين المسلمين اليوم هي كتاب الله (القرآن) نكون قد قلنا صواباً، لا سيما أن الله تعالى يقول: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ......﴾ (الحديد/25).
تاريخ ولادته :
يروي الشيخ الصدوق في كتاب «إكمال الدين» عن «عَقِيدٍ الخَادِمِ»
أن ابن الإمام الحسن العسكري ولد في ليلة الجمعة من شهر رمضان سنة 254هـ،
ولكنه يروي في الكتاب ذاته عن السيدة «حكيمة» أن ولادته كانت في النصف من شعبان سنة 255هـ.
وهناك رواية أخرى في الكتاب ذاته تقول إن إمام الزمان ولد في الثامن شهر شعبان سنة 256هـ.
أما بهاء الدين علي بن عيسى الإربلي الموصلي (693هـ) فقال في كتابه «كشف الغمة» إن ولادة الإمام كانت في الثالث والعشـرين من شهر رمضان المبارك سنة 258هـ!
كيفية نموّه
أورد المجلسيُّ في «بحار الأنوار» عدة روايات حول النمو الخارق للعادة لهذا الإمام المختَرَع
، فأولاً: هي روايات متناقضة يكذِّبُ بعضها بعضاً.
وثانياً: هي روايات تخالف القرآن والكتب السماوية وتخالف العقل. مثلاً تنقل إحدى تلك الروايات عن السيدة «حكيمة»
قولها: «فَلَمَّا أَنْ كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً رُدَّ الغُلَامُ ووَجَّهَ إِلَيَّ ابْنُ أَخِي [أي الإمام الحسن العسكري]. فَدَعَانِي فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٍّ مُتَحَرِّكٌ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ! فَقُلْتُ: سَيِّدِي هَذَا ابْنُ سَنَتَيْنِ!! فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَوْلَادَ الأَنْبِيَاءِ والْأَوْصِيَاءِ إِذَا كَانُوا أَئِمَّةً يَنْشَئُونَ بِخِلَافِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُهُمْ، وإِنَّ الصَّبِيَّ مِنَّا إِذَا أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ كَانَ كَمَنْ يَأْتِي عَلَيْهِ سَنَةٌ...».
ويروي المجلسيُّ في «بحار الأنوار» رواية أخرى جاء فيها: «فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ فَإِذَا مَوْلَانَا الصَّاحِبُ يَمْشـِي فِي الدَّارِ فَلَمْ أَرَ وَجْهاً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِهِ ولا لُغَةً أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ. فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا المَوْلُودُ الكَرِيمُ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ. فَقُلْتُ: سَيِّدِي أَرَى مِنْ أَمْرِهِ مَا أَرَى ولَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً!! فَتَبَسَّمَ وقَالَ: يَا عَمَّتِي! أَمَا عَلِمْتِ أَنَّا مَعَاشِرَ الأَئِمَّةِ نَنْشَأُ فِي اليَوْمِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي السَّنَةِ..».بحار الأنوار ج 51/ ص 20، ح 27.
وقد وردت روايات عديدة من هذا القبيل نضـرب صفحاً عن ذكرها كي لا نكرِّر المكرَّرات.
ونقول في الإجابة عنها: إذا نظرنا إلى التوراة رأينا أنه ذُكر في سفر الخروج/ الإصحاح الثاني، الآية 1: «1وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي وَأَخَذَ بِنْتَ لاَوِي 2فَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ابْناً. وَلَمَّا رَأَتْهُ أَنَّهُ حَسَنٌ خَبَّأَتْهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. 3وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُخَبِّئَهُ بَعْدُ أَخَذَتْ لَهُ سَفَطاً مِنَ الْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ بِالْحُمَرِ وَالزِّفْتِ وَوَضَعَتِ الْوَلَدَ فِيهِ وَوَضَعَتْهُ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ.».
فهذا يبين أن موسى بقي لدى أمه ثلاثة أشهر قبل أن تضعه في صندوق وتلقيه في اليمّ.
أما لو قبلنا بالروايتين المذكورتين فمعنى ذلك أنه طبقاً للرواية الأولى ينبغي أن يكون موسى قد أصبح ابن ثلاث سنين عندما وضعته أمه في الصندوق!
وطبقاً للرواية الثانية ينبغي أن يكون قد أصبح ابن أربعين عاماً عند ذاك!! ودعنا نأخذ بالرواية ذات الزمن الأقل ونقول لما وصل موسى إلى بلاط فرعون كان ابن ثلاث سنين وبضعة أيام،
ففي مثل هذه السن لم يكن بحاجة إلى حليب الأم مع أننا نعلم أن الله تعالى صنع له تدبيراً ردَّه من خلاله إلى أمّه لتقوم بإرضاعه، بعد أن التقطه آل فرعون، فمعنى هذا أن موسى كان ينمو مثل نمو سائر الأطفال العاديين، مما يثبت خطأ تلك الروايات، وعدم صحتها.
ونأتي بدليل آخر: نعلم أن الإمام الحسن ولد في السنة الثالثة للهجرة، والإمام الحسين ولد في السنة الرابعة للهجرة، ووقعت حادثة المباهلة – كما يرويها الشيعة – في السنة العاشرة للهجرة
، أي عندما كان للإمام الحسن سبع سنوات من العمر، وللإمام الحسين ست سنوات. فلْنرَ الآن كيف كان نموهما؟
هل كانا – حسب ما تذكره تلك الروايات ابني ثلاثين أو أربعين عاماً؟؟ أم كانا لا يزالان طفلين؟ إذا رجعنا إلى كتاب «منتهى الآمال» للشيخ عباس القمي الشيعي
رأيناه يروي لنا قصة المباهلة كما يلي: «فقدم حضرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت حضـرة أمير المؤمنين فجراً وأخذ بيد الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام وكان أمير المؤمنين يتقدمه وحضرة فاطمة عليها السلام خلفه».
ويوجد الكثير من مثل هذه الشواهد وقد استشهدنا بقصة المباهلة لأنها مقبولة ومشهورة لدى الشيعة، فاستدللنا عليهم بما يقبلون به.
فمن هذه الروايات يتبيَّن أن الحسن والحسين كانا طفلين وكان نموهما مثل نمو سائر البشر، وبالتالي فجميع الروايات التي تقول إن نمو المهدي كان نمواً غير عادي روايات موضوعة من أساسها.