عقيده الشيعه في أسباب الغيبة للمهدي
ذكر المجلسيّ هنا عدداً من أسباب غيبة المهدي وعِلَلَ استتاره،
ولكن أياً من هذه الأسباب لا يصح [أي لا يصح أن يبرِّر غيبته].
كما ذكر عدداً من الأخبار التي لا تتفق مع العقل ولا مع القرآن
وبالتالي فلا يمكن أن تكون من كلام الأئمة لأنهم لا يتحدثون قطعاً بما يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فهذه الأخبار من وضع الكذّابين والوضّاعين،
وقد ألقى التعصُب المذهبي غشاوة على أبصار الذين أخذوا بهذه الأخبار من العلماء فحال دون تفكرهم بحقيقتها [واكتشاف وضعها]، مع أن الأئمة أنفسهم قالوا: اعرضوا ما يُرْوَى عنا من أحاديث على القرآن والسنة فما خالفهما فَدَعُوه [واضربوا به عرض الحائط].
وسنستعرض فيما يلي ما ذكره المجلسيّ من علل وأسباب لتبرير غيبة المهدي ونزنها بميزان العقل والقرآن ونترك الحكم بعد ذلك للقارئ. وبدايةً نقول إن أكثر هذه الأخبار مرويةٌ عن رواة مجهولين أو كذابين أو غلاة، لذا لن نتعرض لأسانيدها بل سنكتفي بفحص متونها.
العلة الأولى: الخوف من القتل
ذكر المجلسيّ هذه العلة – أي تفسير غيبة المهدي بخوفه على حياته من القتل - في الأحاديث رقم 1 و2 و5 و10 و16 و18 و20 إلى 22.
وإن تعليل الغيبة بمثل هذا السبب ليس بصحيح ومخالفٌ للسنة الإلهية وللقرآن، لأنه إذا وجب على من هو حجة الله على خلقه أن يغيب ويستتر عن الخَلْق خوفاً من الناس لوجب على جميع الأنبياء أن يختفوا عن الناس ولا يظهروا أنفسهم لأحد لأن كل نبي كان له أعداء يتربصون به وكان يحتمل أن يقتل على أيديهم، وبالتالي فكان عليه أن يستتر ولا يبلغ رسالة ربه،
هذا في حين أن الله تعالى يقول
﴿لَا يَخَافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ﴾ (النمل/10)،
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران/175)،
﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ (المائدة/3)،
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ﴾ (الأحزاب/39)،
كما أن حجة الله يجب أن تصل لجميع الناس، كما قال تعالى:
﴿قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾ (الأنعام/149)،
ولذلك فقد قال تعالى لنبيه: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ (المائدة/67).
ثانياً : إذا كان الموجب لغيبته خوفه من القتل، لوجب أن يبقى غائباً إلى يوم القيامة لأن هذه العلة موجودة دائماً بل إن الخوف من القتل يزداد يوماً بعد يوم.
ثالثاً: في زماننا حيث أصبح الحكم والرئاسة في بلاد الشيعة [إيران] بيد نائب الإمام الحقّ - حسب قولهم - فلماذا لا يظهر المهدي الغائب وهل يخاف من نائبه الحقّ؟!
إذن إما أن لا يكون هذا النائب نائباً حقّاً أو أن يكون المهدي الغائب لا وجود له.
لاحظوا كم هو ضعيف هذا الدليل ومدى افتقاره إلى الأساس المحكم،
فلو كان الخوف من القتل مبرَّراً لاختفاء من كان حجة الله على عباده واستتاره عن العباد لوجب أن لا ينهض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصلاً، وأن لا يخرج إلى الجهاد خوفاً من أن يُقْتَل، مع أن الوجود الشريف لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهم من مئة إمام ومع ذلك لم يستتر عن الناس خوفاً من القتل.
العلّة الثانية: سنن الأنبياء
العلة الثانية، حسبما ذكره المجلسيّ في الأخبار رقم 3 و4 في هذا الباب هي أن الغيبة من سنن الأنبياء!
والحقيقة أن هذا غير صحيح، فلم يغب أيُّ أحدٍ من الأنبياء، وأما ما ذُكر في تلك الروايات من أمثلة فهو لا يُعَدُّ غَيبةٍ، بل هو انتقال من مكان لآخر لبضعة أيام أو أن ذلك تمَّ قبل النبوة مثل ذهاب موسى من مصر إلى مدين لدى شعيب
، أو كان إرسالاً للنبيّ في مهمّة جديدة مثل إبراهيم الذي تلقى أمراً من الله بعد تحطيمه الأصنام للذهاب إلى مكة لتطهير بيت الله وبنائِه.
أما النبي يونس الذي ترك أمته وغادرها مغاضباً وركب البحر فالتقمه الحوت، فإن هذا لا يُعَدَّ غَيبةً بل انعزالاً مؤقتاً عن قومه وقد تعرض إلى تأديب الله بسبب ذلك [لأنه ترك قومه دون إذنٍ من الله]. والحاصل إذا غضب قومُ نبيٍّ من الأنبياء عليه فألقوه في الجبّ أو هجروه وابتعدوا عنه فهذا لا يُعَدُّ غَيْبةً.
لماذا لا يفكر هؤلاء الذين يأتون بمثل هذه الأدلة بتاريخ الأنبياء ويتأملوه بشكل صحيح؟
العلة الثالثة: أن حكمة غَيبته سرٌّ لم يُؤْذَن في الكشف عنه
العلة الثالثة هي أن هناك حكمة لغيبته ولكن لم يُؤْذَن في الكشف عنها وأنه ينبغي عدم السؤال عنها لأنها سرٌّ من أسرار الله كما ذكر المجلسيّ ذلك في الخبرين رقم 4 و7.
أقول: وهذا أيضاً تعليلٌ باطلٌ لعدة أسباب:
أولاً : لو صح هذا التعليل فلماذا إذن ذكرت الروايات الأخرى عللاً لغيبته كخوفه من القتل وغير ذلك؟
ثانياً : إن الله تعالى لا يكلف الناس بأشياء لا يستطيعون فهمها، فالقرآن الكريم إنما نزل لتعليم الناس وتوعيتهم ولم يكلفهم بما لا يعقلون،
كما قال تعالى
: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا﴾ (الأنعام/104)، وقال: ﴿وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ (الصافات/175)،
وقال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ (آل عمران/13)،
وقال: ﴿هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (الجاثية/20)
، وقال: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ (الأنفال/42).
فإذن تبريرات الغيبة بجمل من قبيل: أنتم لا تدركون الحكمة من ذلك، وهي سرٌّ من أسرار الله... ووجهها غير مُنْكَشِف... ولا تسألوا عنها... لا تدل إلا على العجز عن إثبات الأمر وجهل المبِّررين للغَيبة.
وقد جاء في بعض الأخبار تشبيه عدم كشف وجه الحكمة من غَيبته بعدم انكشاف وجه الحكمة مما فعله الخضر أمام موسى (ع) عندما قام الخضر بخرق السفينة أو قتل الغلام أو بناء الجدار حيث لم يكن موسى يعلم الحكمة من تلك الأعمال ولا سبب القيام بها.
فنقول في الجواب:
أولاً، لا يصح القياس في أمور العقائد الدينية فإذا لم يعلم موسى (ع) بحكمة عملٍ ما فهذا لا يُعَدُّ دليلاً على جواز أن يشرع الله لأمة الإسلام أمراً لا يمكنهم تعقُّلُه ولا فهمه.
ثانياً : ليس في القرآن ما يفيد أن الذي قام بتلك الأعمال كان الخضر بل كل ما فيه أن الذي فعل ذلك كان عبداً من عباد الله آتاه الله رحمةً من عنده وعلمه من لدنه علماً فهو أحد عباد الله المقربين
ثالثاً: لقد سأل موسى ذلك العبد الصالح عن علة قيامه بتلك الأمور الثلاثة فبيّن له وجه الحكمة فيها كما جاء مفصلاً في سورة الكهف.
رابعاً، لقد أوحى الله تعالى لموسى أن يذهب ليتعلّم من ذلك العبد الصالح الذي علمه الله من علمه اللدني، وأمره باتِّباعه، أما نحن فلم يأتنا وحيٌ يأمرنا أن نقبل بكل ما يقوله المجلسيّ!!!!!!
فانظروا كيف قام عدة رواة أميين أو قليلي العلم بوضع روايات ثم جاء هؤلاء الكُتَّاب ودونوا رواياتهم دون تفكير ولا تمحيص وقبلوها تعصباً.
خامساً، إحدى الخرافات التي يعتقدها هؤلاء هي خرافة الحياة الخالدة للخضر، مع أن هذا يخالف القرآن الكريم، حيث جاء في سورة الأنبياء: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ (الأنبياء/34)،
كما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم بدر:
«اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تُعبَد في الأرض» (انظر ابن هشام، السيرة النبوية، 1/626.)
ولو كان الخضر حياً وباقياً ومشغولاً بعبادة الله لما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذلك الكلام.
وعلى كل حال كلمة «بشر» في الآية التي ذكرناها من سورة الأنبياء نكرةٌ في سياق النفي فهي تفيد العموم،
وتدل على أن جميع البشر بلا استثناء بما في ذلك الأنبياء لم يجعل الله لهم الخلد بل أماتهم ورحلوا عن الدنيا عند انقضاء آجالهم سواء كان ذلك موسى أم عيسى أم الخضر أم إلياس عليهم السلام.
العلة الرابعة: لئلاً تكون في عنقه بيعةٌ لأحد
ذكر المجلسيّ علة رابعة لغيبة المهدي وهي أنه غاب عن خلقه «لِئَلا يَكُونَ لأحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ إِذَا خَرَجَ» وهذه العلة ذكرت في الروايات 11 و12 و13 و14 و15 من هذا الباب.
اولا وهذه العلَّة أضعف من كل ما سبقها ولا تصلح تبريراً للغيبة، لأن أياً من الخلفاء والسلاطين لم يذهب إلى كل فرد من الناس ليجبره على البيعة له كرهاً، نعم الحجَّاج فعل ذلك بأهل المدينة ولكن الحجَّاج لم يكن خليفة ولا سلطاناً وكان عمله هذا مقتصراً على أهل المدينة فقط دون سائر البلدان.
ثانياً، لم يضطر أيٌّ من الآباء الكرام السابقون للحسن العسكري والأئمة الذين كانوا قبله إلى مبايعة أي أحد، ولم تكن في عنقهم بيعة لأحد، فهذا غير منحص-ر بالمهدي [و لا يقدم تفسيراً لغيبته].
ثالثاً، كثيرٌ من الناس والعلماء جاؤوا إلى الدنيا ورحلوا عنها دون أن تكون في عنقهم بيعة لأحد ولم يضطروا لأجل ذلك أن يغيبوا عن الناس.
كانت تلك الأدلة الواهية عمدة ما ذكروه في تفسيره الغيبة وتبريرها، وقد بقيت هذه الأدلة مئات السنين في الكتب يتعصب لها العلماء ويكررونها!!