المهدي قصه من اختراع أصحاب الإمام الحسن العسكريحتى لا ينقطع سيل الأموال
السفراء والنوّاب للائمه كانوا وسائط لأخذ الأموال الشرعية (كالزكاة والخمس ونحوها) من الناس فقط. ولما كانت الأموال الشرعية التي تأتي إلى الإمام كثيرة للغاية فإن كثيرين بذلوا كل جهدهم ليدّعوا النيابة له سواء النيابة الخاصة أم النيابة العامة.
ولقد رأينا من تتبّع جميع الأحاديث والأخبار في كتب الشيعة أن مدّعي النيابة والوساطة بين الإمام الغائب والناس سواء في زمن الغيبة الصغرى أو في زمن الغيبة الكبرى كانوا كُثُر.
وفيما يلي قائمة ممن ذُكِر أنهم كانوا نواباً للإمام
أبو عمرو عثمان بن سعيد العَمْرِيّ. - محمد بن عثمان المكنَّى بأبي جعفر.
الحسين بن رَوْح المكنَّى بأبي القاسم.- أبو الحسين علي بن محمد السَّمُرِي هؤلاء الأربعة هم النواب الرسميون الشرعيون – إذا صح التعبير – الذين تؤمن الشيعة الإمامية الاثني عشرية بأنهم كانوا – واحدا تلو الآخر- نوابا للإمام المهدي الغائب في عهد غيبته الصغرى.).
الْبَاقَطَانِيّ. - أَبو عَبْدِ اللهِ الْبَزَوْفَرِيّ. - إِسْحَاق الأحْمَر. - محمد بن جعف(كما في ج 51/ص 325 ).
مُحَمَّد بْنُ شَاذَانَ بْنِ نُعَيْم.- أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ المَادَرَائِيّ. - حاجز.
محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمى. أبو الحسن الأسدي. الْقَاسِمُ بْنُ الْعَلَاءِ.
أحمد بن إسحاق القمي. أَبَا صِدَامٍ. الحَسَنُ بْنُ النَّضْرِ. محمد بن أحمد.
إبراهيم بن مهزيار. محمد بن إبراهيم بن مهزيار. الحسنُ بنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلَاءِ.
محمد بن صالح بن محمد الهمداني الدهقان. ابنُ وَجْنَاءَ. أبو محمد الوجنائي.
أبو القاسم الحسن بن أبي أحمد. أبو محمد الحسن الشَّرِيعِيّ (كما في ص 367).
محمد بن نُصَيْر النُّمَيْرِيّ (كما في ص 367). أحمد بن هلال الكرخي الصوفي رياكار (كما في ص 368).
أبو طاهر محمد بن علي بن بلال المعروف بالْبِلَالِيِّ (كما في ص 369).
الْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَلَّاجُ. مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي الْعَزَاقِرِ (كما في ص 373).
أبو بكر البغدادي (كما في ص 377). أبو دلف المجنون.
ويوجد غيرهم أيضاً وهؤلاء ذُكِرَت أسماؤهم في ما مر معنا في الجزء 51 من «بحار الأنوار» في باب «ما ظهر من معجزاته» أو هم مذكورون في الباب الحالي أي باب «أحوال السفراء».
وغاية ما في الأمر أن بعض مدعي النيابة كانوا أشخاصاً تعرّضوا إلى لعن سفراء آخرين وسبّهم وتبادلوا الشتائم والسباب في صراعهم على ذلك المنصب، وأدى ذلك إلى فضح خرافاتهم وكفرهم بواسطة السفراء الآخرين.
لكن معظم هؤلاء السفراء كانوا مع ذلك ممدوحين مِنْ قِبَلِ الشيعة وكان لهم مريدون وجاه ومنال وكانت تأتيهم الأموال الشرعية. ولقد ذكرنا أسماء بعضهم ممن ذُكِر في الصفحات الجزء 51 من «البحار» مع ذكر الصفحة.
وسنقوم هنا بتمحيص أخبار هذا الباب ثم نشير إلى حقيقة النيابة ومصير النواب استناداً إلى المصادر الحديثية والتاريخية:
يبدأ المجلسي برواية ينقلها عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي تقول:
«قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمْ قَالُوا خُدَّامُنَا وقُوَّامُنَا شِرَارُ خَلْقِ اللهِ».
وهذا الكلام صحيح لأن الذين كانوا خُدَّامهم وقوّامهم وأصحابهم وخواصّهم قاموا في أغلب الأحوال بسرقة أموال الناس باسم الدين والمذهب وكانوا يعتاشون على تلك الأموال وينشرون ما استطاعوا من البدع باسم الدين.
إحدى تلك البدع كان «سهم الإمام» حيث التفّ أولئك النواب حول كل إمام فكانوا يخترعون المعجزات لأئمتهم ليجذبوا قلوب العوامّ إليهم ويأخذوا باسمهم الأموال،
فكانوا يخترعون مئات الكرامات لكل إمام ثم بنَوا على قبورهم قباباً وأضرحة من الذهب والفضة واخترعوا أدعية زيارة مليئة بالجمل المخالفة للقرآن وغَلَوا في الأئمة حتى جعلوهم القائمين بجميع أمور الدنيا والآخرة!.
وإذا أردت أن تتطلع على ذلك فراجع أبواب الزيارات في كتاب «بحار الأنوار» أو اقرأ كتابنا «خرافات وفور در زيارات قبور» أي الخرافات الوافرة في زيارات القبور.
وأصل القضية أن كثيراً من الأفراد الذين لم يستطيعوا أن يستفيدوا من الدولة القائمة في عصرهم كانوا يأتون إلى الأئمة ويجعلون أنفسهم من خواص أصحابهم ويذكرون معايب الخلفاء ويطعنون بهم ويلعنونهم ويحقّرون الخلافة الإسلامية ويبثّون الاختلاف ويبالغون في تعظيم أئمتهم في مواجهة الخلفاء الحاكمين فيخترعون لأئمتهم مقامات أسطورية ويبالغون في رفع منزلتهم حتى كأنهم كانوا فوق منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا يُضْعِفون دولة الإسلام ويثيرون القلاقل باسم الإمامة
.
وهنا ينقل المجلسيّ عن شخص يُدعى «محمد بن صالح الهمداني» -الذي كان يدَّعي النيابة عن الإمام وكان يأخذ أموال الناس بالقوة كما ذُكِر في كتاب البحار وفي كتاب «الكافي» - قولَه:
«كَتَبْتُ إِلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ (ع) أَنَّ أَهْلَ بَيْتِي يُؤْذُونِي ويُقَرِّعُونِي بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ آبَائِكَ (ع) أَنَّهُمْ قَالُوا خُدَّامُنَا وقُوَّامُنَا شِرَارُ خَلْقِ اللهِ فَكَتَبَ (ع) وَيْحَكُمْ مَا تَقْرَءُونَ مَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:
﴿وجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً﴾
فَنَحْنُ واللهِ الْقُرَى الَّتِي بَارَكَ اللهُ فِيهَا وأَنْتُمُ الْقُرَى الظَّاهِرَةُ».
أقول: هذا مع أن الآية لا علاقة لها بالأئمة أو أصحاب الأئمة أو خدامهم، وهذا التفسير هو من باب التفسير بالرأي. فلاحظوا أيها القراء كيف يتم اللعب بمعاني آيات القرآن. أجل، لقد كان أكثر خدام الأئمة وقوامهم من الغلاة البعيدين عن الله مثل «المفضَّل» و«جابر بن يزيد الجعفي», فاذهبوا واقرؤوا أحوالهم.
مثلاً،
تذكر كتب الرجال الشيعية أن ثلاثة أشخاص من خدام وقوام الإمام «موسى بن جعفر» (ع) أكلوا آلاف الدنانير التي كانوا قد قبضوها من الناس باسم مال الإمام وباسم نيابتهم عنه فاختلسوها ووضعوها في جيوبهم ووصل الأمر بهم إلى إنكار وفاته كي لا يدفعوا الأموال والإماء التي استملكوها باسم الإمام «موسى بن جعفر»
إلى ورثته، وأوجدوا ما عُرِف بمذهب الواقفية، أي وقفوا على إمامة الإمام السابع وأنكروا إمامة الأئمة الذين جاؤوا من بعده وأكلوا بالباطل جميع الأموال التي كانت لديهم، وهؤلاء الثلاثة هم: «علي بن أبي حمزة البطائني» و«زياد القندي» و«عثمان بن عيسى».
أيها القارئ العزيز، راجع رجال المامقاني وكتب الرجال الشيعية الأخرى لكي ترى صدق ما نقول. إن أكثر أصحاب الأئمة كانوا مجهولي الحال أو أشخاصاً فاسدين ومطعون بهم، وفيما يلي من باب المثال نذكر نموذجاً لهؤلاء الأصحاب وندعوكم لقراءة أحوالهم كما تذكرها كتب رجال الشيعة
علي بن أبي حمزة البطائني. زياد القندي. عثمان بن عيسي. إبراهيم بن إسحاق النهاوندي.
ابن فضال. المعلي بن خنيس. أبو هارون المكفوف. أبو البختري وهب بن وهب.
أبو الخطاب محمد بن مقلاص. أحمد بن هلال عبرتائي. أحمد بن زكريا.
أحمد بن محمد بن خالد البرقي. إسحاق بن عمار الفطحي. عبد الله بن عبد الرحمن.
جعفر بن المثنى الخطيب. الحسن بن علي بن أبي حمزة. الحسن بن علي بن أبي عثمان والخيبري.
داود بن كثير الرقي. زكريا بن محمد أبو عبد الله.
زياد بن مروان وسليمان بن عمرو النخعي.
سيف بن عميره. صالح بن أبي حماد. عبد الرحمن بن كثير. يونس بن ظبيان.
كيفية إيجاد النواب والسفراء:
(اسم الكتاب: «منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال» للإمام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (728 ه-) لخص فيه كتابه الكبير «منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية».
هذا والواقع أن الذي ترجمه البرقعي في كتابه هو أقسام من كتاب «المنتقى من منهاج الاعتدال» للحافظ والمؤرخ الذهبي (محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز) (748ه-) الذي اختصر فيه كتاب «منهاج الاعتدال».) ما يلي
:
«النُّصَيْرِيَّة هم أتباع محمد بن نصير الشيعي الإمامي وهو من الأشخاص الذين كانوا في بيت الإمام الحسن العسكري في سامراء ( أي كان من جملة أصحاب الإمام) مدة تسع سنوات. وعندما تُوُفّي الحسن العسكري سنة 260 ه-، دون أن يخلِّفَ ولداً، طبقاً لكثير من الشيعة الذين كانوا يترددون إلى بيته، ذهب جميع أصحابه إلى أعمالهم وأشغالهم،
وقام السيد جعفر أخو الإمام الحسن العسكري بأمر دفن أخيه وتقسيم تركته على أساس أنه لم يكن له خلف وأن الأخ يرث أخاه في مثل هذه الحالة، وكان هذا الأمر معلوماً لأسرته ولسائر العلويين (وحتى معلوماً لجميع المؤرخين)
وكان هذا ما يعلمه نقيب السادات الذي كان يحتفظ بدفتر ولادة العلويين لديه، وكذلك كان رئيس العلويين يعلم بأن الحسن العسكري لم يكن له ولد، ولكن الغلاة وأتباع الأهواء الذين كانوا يخترعون أئمة من العدم وكانوا يترددون إلى منزل الإمام الحسن العسكري لم يتقبلوا هذه الحقيقة ورأوا أنهم يواجهون حالة لا تمكنهم بعد ذلك من الاستفادة والانتفاع،
لذلك وضعوا أحاديث وأكاذيب تخالف الإسلام ليقدموها للإسلام والمسلمين باسم الإمام (حتى لا ينقطع سيل الأموال الشرعية الذي كان يتدفق عليهم)، فجلسوا وأخذوا يفكرون في حلٍّ يحول دون انقطاع ارتزاقهم من هذا السبيل وينقذهم من هذا الموقف، فرأوا أن أفضل حل هو اختراع إمام غائب بأن يقولوا أن الإمام الحسن العسكري أنجب ولداً وقد غاب هذا الولد (ولم يره أحد).
ويقول سعد بن عبد الله الأشعري وهو من كبار علماء الشيعة وأحد أصحاب الإمام الحسن العسكري في كتابه «المقالات والفرق» ص 102:
«فلما تُوُفِّي الحسن بن علي [العسكري] اختلف أصحابه من بعده وافترقوا إلى خمس عشرة فرقة» ثم ذكر أن أربعة عشر منها قالوا أن الإمام لم يُخلِّف ولداً وأن فرقة واحدة قالت بل خلف ولداً ولكننا لم نره.
وكان «محمد بن نُصَيْر النُّمَيْرِيّ» أحد الوضّاعين والمخترعين لفكرة الإمام الغائب طمعاً في أن يجعل من نفسه نائباً لذلك الإمام ويأخذ الأموال الشرعية التي تأتي إليه، لذا أعلن عن نفسه أنه نائبٌ للإمام وسفيرٌ له وواسطةٌ بينه وبين شيعته. ولأجل ألا يستمع أحدٌ إلى «السيد جعفر»
أخي الإمام المُتوفَّى الحسن العسكري ويصدِّق بما أخبر به من أن أخاه الإمام مات ولم يُخلِّف ولداً، اتّهم «محمد بن نُصَيْر» السيد جعفر بالكذب ولقّبه بالكذّاب. ولما كان «محمد بن نُصَيْر» رجلاً قوي الشخصية وصلباً ومتكلّماً فصيحاً خاف رفقاؤه أن يصبح باباً فعلاً فيزيح الآخرين عن هذا الأمر ويحرمهم من الأموال الشرعية، لذا رأوا أنه لا بد أن يكون الباب والسفير رجلاً بسيطاً ساذجاً ضعيفاً حتى يمكن الاستفادة منه والاستمرار في أخذ الأموال عن طريقه، لذا وجدوا رجلاً بائعاً للزيت والسمن يسكن إلى جانب بيت الإمام العسكري
وكان يقوم هو وابنه بخدمة الإمام ويُدعى «عثمان بن سعيد» فجاؤوا إليهما (أي إلى عثمان وابنه محمد) وقرروا أن يجعلوا عثمان بن سعيد باباً وسفيراً (وأن يقتسموا فيما بينهم ما يأتيه من أموال شرعية).
وفي النهاية وبسعي الأعوان والشركاء حرموا «محمد بن نُصَيْر النُّمَيْرِيّ» من ذلك المنصب، فغضب وأنكر الإمام الغائب، مع أنه هو نفسه كان قد اخترع تلك الفكرة، واعتزلهم وأتى بعقائد وبدع جديدة وفضائح وصار له أتباع وكان أتباعه يُعرَفون حتى القرن السابع والتاسع باسم «النصيرية» وينتشرون في أطراف الشام وسورية.».
أقول: ولما أدركَتْ «عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيَّ» [آخر النواب الأربعة] الوفاةُ، لم يُرِدْ أن يتحمل وزر ووبال النيابة وقبض الأموال الشرعية بعد وفاته، لذا أصدر توقيعاً باسم الإمام ينصّ على أن النيابة انتهت. وعبارة ذلك التوقيع موجودة في جميع كتب الشيعة، ومن جملتها في آخر كتاب «منتهى الآمال» تأليف الشيخ عباس القمّي
(هو المحدِّث الأخباري الإمامي المشارك الحاج الشيخ عباس القمي، صاحب كتاب الأدعية الشهير «مفاتيح الجنان»، وله في الحديث «سفينة البحار»، وفي التراجم والتاريخ «منتهى الآمال»، توفي عام 1359ه-)،
وقد أوردها المجلسيّ أيضاً في هذا الباب وهي كما يلي:
«يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيَّ! أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَأَجْمِعْ أَمْرَكَ ولَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ فَيَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ التَّامَّةُ فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ وذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الْأَمَدِ وقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وامْتِلَاءِ الْأَرْضِ جَوْراً وسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي المُشَاهَدَةَ أَلَا فَمَنِ ادَّعَى المُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ والصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ».
أقول: إذا كان الأمر كذلك وكان جميع علماء الشيعة يقبلون بهذا التوقيع فكيف يدّعون النيابة عن الإمام ويعتبرون أنفسهم قائمين مقام عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيَّ ويأخذون من الناس الأموال الشرعية وسهم الإمام. إذن، من المعلوم أنهم يستفيدون في هذا المجال من جهل العوام.
وينبغي أن نقول إنه عندما تُوُفِّي النواب الأربعة للإمام وانقطعت النيابة، رأى أصحاب الحوانيت المذهبية أن خبزهم قد انقطع ففكّروا في إيجاد تدبير جديد وهو أن كل من يروي أحاديث الأئمة يحل محلهم ويقوم مقامهم، وروَوا أن الإمام كتب: «وَأَمَّا الحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وأَنَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ».
أقول: لما لم يكن هناك في ذلك الزمن أي مجتهد أو مقلِّد بل وُجِدَت هذه العناوين بين المذاهب فيما بعد، فإن التوقيع صدر بحق رواة الحديث. فإذا كان الأمر كذلك فكيف يعتبر المجتهدون في زماننا -الذين ليسوا رواة للحديث - أنفسهم نواباً للإمام دون مستند؟ فالجدير بالشيعة الذين يدفعون سهم الإمام إلى المجتهد أن يطالبوه بمستنده ودليله على نيابته للإمام. ونقول إن علامات الكذب والوضع ظاهرة في رواية: «وَأَمَّا الحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا» وفيما يلي تلخيص ذلك:
1 – عندما صدر ذلك التوقيع كان جميع رواة حديث الأئمة قد تُوُفُّوا فكيف يمكننا الرجوع إلى الأموات؟(لا يخفى ما في استدلال المؤلف هنا من ضعف شديد، إذ هو يعتمد على أن المقصود من رواة حديثنا من يروون عنا مباشرة، مع أن كلمة الرواة أعم من ذلك وتشمل كل من يروي حديثهم سواء مباشرة أو عبر وسائط، والأخيرون موجودون في كل عصر.)
فإن قيل: المقصود الرجوع إلى رواية الرواة وليس إلى الرواة أنفسهم فمعنى ذلك أنه حتى لو كان المجتهدون رواةً لحديث الأئمة فلا يمكن الرجوع إليهم بل لا بد من الرجوع إلى الروايات فقط.
2 – من المعلوم والمسلَّم به أن معظم رواة أحاديث الأئمة كانوا أشخاصاً أميين أو قليلي العلم وكان كثيرٌ منهم من الفطحيّة أو الواقفة أو الناووسية أو الجبرية أو كانوا من الوضاعين أو الكذابين أو الغلاة، فكيف يمكننا أن نرجع إلى أمثال هؤلاء وكيف يمكن لمثل أولئك الأفراد أن يكونوا حجة الله علينا.
3 – الله تعالى هو الذين يعيّن الحجة ولا يحقّ لأحد أن يعتبر نفسه حجة. لكن في هذه الرواية اعتُبرَ كلُّ راوٍ ولو مجهولاً حجةً، واعتبر الراوي (الإمام) نفسه حجة أيضاً، فما هو الدليل على ذلك؟ أَوَلَمْ يقل الله تعالى في سورة النساء أنه بعد الأنبياء والرسل لا يوجد أشخاص يعدون حجَّةً:
﴿رسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾(النساء/165). كما أن الإمام علي (ع)– كما في نهج البلاغة – اعتبر أن القرآنَ حجةٌ كافيةٌ.
وكذلك قال – كما في الخطبة 90 من نهج البلاغة – : «حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم حُجَّتُه»(نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، تحقيق الدكتور صبحي الصالح، قم، انتشارات دار الهجرة، الخطبة 91 المعروفة بخطبة الأشباح، ص 133-134.).
فكيف يمكن للإمام إذن أن يعتبر نفسه حجة وأن يعطي للآخرين مثل رواة الحديث الحجيَّة؟!
4 – في هذا التوقيع يقول الإمام: «وأنا حجة الله عليهم» أي أنه حجة الله على الرواة، هذا في حين أنه في بداية الغيبة الكبرى كان جميع الرواة قد تُوُفُّوا فهل يحتاج الأموات إلى حجة؟ وكيف يكون ذلك الإمام الغائب حجة على الأموات؟ إنها أسئلة لا جواب لها. وبالطبع فإن الإشكالات في هذه الرواية كثيرة وقد أشرنا إلى بعضها أيضاً في كتابنا «تابشى از قرآن» (أي: إشعاع من القرآن).
في هذا الباب ملأ المجلسيّ صفحات عديدة وأتى بروايات كثيرة لإثبات عدالة النوَّاب الأربعة وأمانتهم ونيابتهم وسفارتهم وكلها منقولة عن أصحاب حانوت النيابة هؤلاء أنفسهم، وهذا عمل غير صحيح لأن حجية الشخص يجب أن تُعيَّن مِنْ قِبَلِ الله تعالى لا أن يجعل الشخص نفسه لنفسه الحجية.
بعض تلك الروايات عبارة عن توقيع أي كتاب يُقال إنه صدر عن الإمام، فينبغي أن نقول: كيف يعلم من لم ير الإمام الغائب ولم يعرف خطه أن هذا التوقيع والخط هو للإمام وأن الذي ينقله صادق فيما ينقل؟
لقد وجدنا كثيراً من الرواة يكذبون على الأئمة ويضعون على ألسنتهم الأحاديث الملفَّقة، فكيف يمكننا أن نستبعد أن يكون حال تلك التوقيعات مثل حال سائر الروايات الموضوعة؟!
وبعد أن ذكر المجلسيّ فصولاً لكل واحد من النواب الأربعة عمد إلى ذكر أماكن قبورهم وأخذ في الترويج لتقديس القبور مخالفاً بذلك ما يدلّ عليه القرآن والسنة النبوية الواضحة.
باب 17- ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراءً:
يبدأ المجلسي في الصفحة 367 [من هذا الجزء الحادي والخمسين من بحار الأنوار]
بذكر أسمائهم فيقول أحدهم «أَبو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ الشّ-رِيعِيُّ» الذي كان من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري وهو أول من ادعى البابية ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد .
والثاني: «مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ النُّمَيْرِيُّ» من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي العسكري وادعى البابيّة والنيابة وظهر منه الإلحاد والجهل وادعى أنه رسول نبيّ وأن عليّ بن محمد (أي الإمام الهادي) هو الذي أرسله، أي أنه ادعى للإمام الهادي الألوهية ولنفسه النبوة!
وكان يقول بالتناسخ ويحلّل الزنا ونكاح الرجال بعضهم بعضاً (أي اللواط).
أقول: وذكرنا من قبل كيفية إيجاده لفكرة النيابة والسفارة وأنه كان هو مبتدع تلك الفكرة.
والمدعي الآخر هو «أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ الْكَرْخِيُّ» الذي كان من أصحاب الإمام الحسن العسكري وخواصه، وبعد أن ادعى «عثمان بن سعيد» وابنه النيابة لم يستطع تحمل ذلك ولم يُذعن لنيابته ورفض نيابة «محمد بن عثمان» لذا لعنه أحد النواب وهو «الحسين بن رَوْح» وتبرّأ منه.
أقول: هنا ينبغي أن نسأل: هل نيابة النوّاب للإمام من أصول الدين أم من فروعه حتى يستحق منكرها اللعن والتكفير؟!
ومن المدعين الآخرين: «الحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ الحَلَّاجُ» وكفرياته وادعاؤه للألوهية مشهورة.
والمدعي الآخر «مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّلْمَغَانِيُّ المَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي الْعَزَاقِرِ» الذي كان له وجهٌ عند الناس، وقد جعل له الشيخ «أبو القاسم الحسين بن رَوْح» [ثالث النواب الأربعة المعترف بهم للمهدي في غيبته الصغرى] منزلةً عند الناس وجاهاً فلما برزت منه كلمات الكفر تبرأ «الحسين بن رَوْح» منه ولعنه.
هنا يجدر أن نسأل: إن نواب المهدي الذين [قيل إن] لديهم علم الغيب إذ كانوا يعلمون بتفاصيل الأموال التي تأتيهم مِنْ قِبَل الناس فيخبرون الناس بمقاديرها وأنواعها وأصحابها وما عرض لها قبل أن يستلموها منهم،
بل كذلك الإمام الحسن العسكري والد الإمام [أي المهدي الغائب حسب قول الإمامية]، كيف قبلوا في البداية في بطانتهم بأمثال «ابن أبي العزاقر» وغيره [من النواب الذين اكتُشِفَ فيما بعد أنهم غلاة وملحدون]، وجعلوهم نواباً لهم ومن خاصة أصحابهم ولم يعرفوا بحقيقة أمرهم إلا بعد أن ظهرت منهم أقوال الكفر عندئذٍ تبرّؤوا منهم وطردوهم؟!
. أين ذهب علم الغيب إذن، وكيف يمكن للإمام أو نائب الإمام الذي يعرف بما لدى الناس من أموال ويخبرهم عنها قبل أن يراها أن يجهل حقيقة الأشخاص الذين في حاشيته ولا يخبر عن حقيقة أمرهم؟! أليس هذا تناقض واضح؟
ولكن ماذا نفعل إذا كان محدثو الشيعة وعلماؤهم قد جمعوا هذه المتناقضات في كتبهم؟!
وهكذا تعرض أبو جعفر محمد بن علي بن أبي العزاقر إلى اللعن والبراءة وصدر عن صاحب الزمان توقيع في لعنه. وكان يُعرَف باسم «الشلمغاني» وكان صاحب خرافات وكفريات وكتب كانت مقبولة سابقاً لدى الشيعة وخاصة لدى «الحسين بن روح» ثم طرده بعد ذلك ولَعَنَهُ.
والواقع أن أمثال أولئك الأشخاص كانوا كثيرين في حاشية الإمام فكيف لم يكن الإمام – الذي كان حسب قول أولئك الرواة عالماً بالغيب – مطّلعاً وعالماً بحقيقة الأشخاص في حاشيته؟
!
ومن المدعين الآخرين للنيابة «أبو بكر البغدادي» ابن أخ الشيخ «أبي جعفر محمد بن عثمان» الذي تعرّض أيضاً للعن والطعن والبراءة.
أقول: وفي زماننا هذا هناك كثير من المدعين للفقه الذين يعتبرون أنفسهم نواباً للإمام ويأخذون من الناس الأموال الشرعية وسهم الإمام ويص-رفونه على مصارفهم الخاصة دون حسيب ولا رقيب ولا مستند ولا دليل!
فكيف للعوام أن يعلموا أن هؤلاء ليسوا مصداقاً لقوله تعالى في سورة التوبة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ... ﴾ (التوبة/34)؟!
هنا ننتهي من التعليق على أبواب وأحاديث الجزء 51 من البحار ولم نجد فيه شيئاً فيه الهداية.
وننتقل الآن إلى ما جاء في الجزأين 52 و53 من البحار
وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى