اختصاص علم الغيب بالله ونفي القرآن والأئمَّة من دعوى علم الأئمَّة بالغيب : الجزء الاول
الحمدُ لِـلَّهِ ربِّ العالمين، المتفرِّدُ في ألوهيته الذي لا شريك له ولا نظير في الخلق والرزق، هو وحده المحيي المميت، وهو وحده المعبود بحق، لا مُعين له في تدبير أمور خلقه ولا مشير، ولا نائب له ولا وزير.
ليس لأحد من مخلوقاته من ملائكته المقربين أو أنبيائه المرسلين أو أوليائه الصالحين طريق إلى أسرار علم غيبه المكنون. لا يُظْهِرُ على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يطلعه بالوحي على شيء من أخبار المستقبل
أو شذرات من علم ما كان وما يكون ليكون ذلك حجة لرسالته وتصديقاً لنبوته، لطفاً منه بعباده، وتأييداً منه لنبوة من أرسله برسالاته،
أما ما سوى ذلك فإنه لا يُسمح لأحد من الخلق بالدخول إلى حرم الغيب الإلهي أو الورود إلى حمى كبريائه اللامتناهية، وخفيات مكنوناته المحجوبة،
والصلاة والسلام بلا حدٍّ على النبيِّ المحمود الذي سدّ برسالته الأبدية كل طُرق خداع العوام وإضلال البسطاء واستغلالهم. ولم يحطم الأصنام ويهدم معابد الأوثان فحسب بل أرسى قواعد التوحيد وأحكم بنيانه غاية الإحكام بحيث أن كل من دخل في شرعه ونهل من معين شريعته صار موحّداً كاملاً لا يمكن أن تتطرَّق الوثنيةُ إلى ذهنه ولا أن يأتي إلى مخيِّلته خيال اصطناع أي معبودات زائفة غير الله.
ورغم أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان خيرالخليقة وكانت سيرته وصورته مبعث دهشة أهل العلم والحقيقة، إلا أنه كان متواضعاً ومنكسـراً أمام الله إلى درجة أنه كان يهتم بعبوديته لربه تعالى أكثر من اعتزازه برسالته، وبمجرَّد أن سمع بعض المتملّقين يمدحونه بما كانوا معتادين على مدح صناديدهم وكبرائهم به قال:
«لا تَرْفَعُونِي فَوْقَ حَقِّي فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى اتَّخَذَنِي عَبْداً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَنِي نَبِيّاً
(محمد بن محمد بن الأشعث (قرن 4 هـ)، «الأشعثيات» [ويُسَمَّى أيضاً «الجعفريات»]، ص 181. وَالقطب الراوندي (573هـ)، «النوادر»، ص 16. )
وقرَّر بأمر من ربه أن يعلن المسلمون هذا المنصب -منصب العبودية- في كل تشهّد في صلواتهم التي يؤدُّونها صباح مساء حيث يشهدوا أمام ساحة القدس الربوبية الأحدية بعبودية النبيِّ لِـلَّهِ تعالى قائلين:
«وأشهد أن محمداً عبده ورسوله» مقدمين وصفه صلى الله عليه وآله وسلم بالعبودية على وصفه بالرسالة كي يُعلَمَ أن شرف العبودية مُقَدَّمٌ على مقام الرسالة.
عقيدة الشيعه وعلم الغيب
الشيعه تزعم أن أئمتها تعلم الغيب، وبالغت في ذلك كأشد ما تكون المبالغة، ووضعت في ذلك من الأحاديث ما يُتعب أقلام الكتبة، ويُكِل أنامل الحسبة.
فمن ذلك ما أورد الكليني في كتابه الكافي، الذي هو بمثابة صحيح البخاري عندهم،
الذي خصص فيه أبوابا في علمهم الغيب، ذكر منها:
· باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون ما كان وما يكون، وأنهم لا يخفى عليهم الشيء ج1 ص260
· وباب أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ج1 ص258
· وباب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام (ج1 ص255)
وتحت كل باب من هذه الأبواب عشرات الأحاديث، التي يجف القلم رهبة عند كتابتها، وترتعد الأصابع من هول ما فيها.
كهذه الرواية التي ينسبون إلى علي رضي الله عنه أنه يقول فيها :
«ولقد أعطيت خصالا ما سبقني إليها أحد قبلي علمت المنايا والبلايا، والأنساب وفصل الخطاب، فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني، أبشر بإذن الله وأؤدي عنه، كل ذلك من الله مكنني فيه بعلمه» ( الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 196 – 197).
وفي رواية أخرى عن جعفر بن محمد، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام:
أعطيت تسعا لم يعط أحد قبلي سوى النبي صلى الله عليه وآله:
لقد فتحت لي السبل، وعلمت المنايا، والبلايا، والأنساب، وفصل الخطاب،ولقد نظرت في الملكوت بإذن ربي، فما غاب عني ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي،
وإن بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم، وأتم عليهم النعم، ورضي لهم إسلامهم» ( أمإلي الطوسي ص205)
يقول إمامهم المظفر في علم الإمام : «اذاوإذا استجد شيء لا بد أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه، فإن توجه إلى شيء وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي، لا يخطئ فيه ولا يشتبه، ولا يحتاج في كل ذلك إلى البراهين العقلية ولا إلى تلقينات المعلمين، وإن كان علمه قابلا للزيادة والاشتداد» (عقائد الإمامية - الشيخ محمد رضا المظفر - ص 67 - 68)
بل يزعمون أن أئمتهم يطلعون على اللوح المحفوظ .
يقول أحد معاصريهم وهو الشيخ غلام رضا:
(في قوله تعالي لا يمسه إلا المطهرون) أي اللوح المحفوظ، - «يرى محققوا المفسرين أن الضمير في «لا يمسه» يعود إلى الكتاب المكنون وهو اللوح المحفوظ، فيستفاد حينئذ من الآية أن الأفراد الذين طهرهم الله قادرون على الاطلاع على اللوح المحفوظ وحقائقه وهي غيب السماوات والأرض»
( الرد على شبهات الوهابية - الشيخ غلام رضا كاردان - ص 17).
ويقولون أن اللمس في القرآن حسي ومعنوي، فهذا اللمس هنا لمس معنوي، والمقصد من الآية أن الأئمة يطلعون على اللوح المحفوظ لأنهم هم المطهرون المرادون في الآية. لذلك فهم يعلمون كل ما يحدث.
كما ورد في رواياتهم :-
«وما من ليلة تأتي علينا إلا وأخبار كل أرض عندنا وما يحدث فيها، وأخبار الجن وأخبار أهل الهوى من الملائكة، وما من ملك يموت في الأرض ويقوم غيره إلا أتانا خبره، وكيف سيرته في الذين قبله، وما من أرض من ستة أرضين إلى السابعة إلا ونحن نؤتى بخبرهم» ( كامل الزيارات - جعفر بن محمد بن قولويه - ص 541 – 542).
وهذا العلم التفصيلي للحوادث، هو مما اختص الله تعالى به، قال تعالى: «وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين» فلا يعلم ما يحدث في الكون على التفصيل إلا خالق الكون سبحانه،
موقف القران من علم الغيب
إن من المجمع عليه بين أهل الإسلام، أن الله استأثر بعلم الغيب، فلا يُطلِع على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسله المبلغين عنه، وبعد بعثه رسول الله حرمت الشياطين من التصنت علي خبر السماء ومن تطلع من الشياطين إلى هتك حجب الغيب تلقته حرس السماء بشهب النار، فعاد ذليلاً حسيراً وسقط مذموماً مدحوراً.
ونزلت من الايات التي تشير الي أن الله استأثر بعلم الغيب، فلا يُطلِع على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسله المبلغين عنه،
قال تعاليوَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) الحجر
وقال تعالي إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) الصافات
وقد يبين الله تعالى أن ﴿عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ هو الله وحدهفي كثير من الايات في القران الكريم
قال تعاليقَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) التوبه
وقال تعالي وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) يونس
وقال تعالي قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله»
الأنعام/73، التوبة/94 و105، الرعد/ 9 و10، السجدة/ 6، الزمر/ 46، الحشر/ 22، الجمعة/ 8، التغابن/ 18.
وفي الآية 92 من سورة «المؤمنون» وبعد أن يبيِّن تعالى أن الله ﴿عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ يقول مباشرة: ﴿فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون/92].
ومعنى ذلك أن من يعتبر غير الله عالماً بالغيب والشهادة فإنه يشرك غير الله معه فهو مشرك! تعالى الله عما يقول المشركون.
التدقيق في مزاعم الشيعة
نُريد الآن أنْ نرى مدى صحَّة ادِّعاء من يدَّعي أن الإمامَ عالمٌ بما كانَ وما يكونُ من أمور عالم الإمكان، من وجهة الأئمة أنفسهم، وأن نتبيَّن هل تصحّ هذه الدعوى أم أنها كاذبة قطعاً ولا أساس لها من الصحة؟لقد أمر اللهُ تعالى نبيَّ آخر الزمان صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام/50].
والطوسي الذي يُعَدُّ من أكبر العلماء والمفسرين الشيعة، في تفسيره لهذه الآية الكريمة يقول:
«أمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وآله أن يقول لعباده: (لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ) أغنيكم منها (وَلَا أَعْلَمُ الغَيْبَ)
الذي يختصّ بعلم الله تعالى فأعرفكم مصالح دنياكم، وإنما أعلم قدر ما يعلّمني الله من أمر البعث والجنة والنار، وغير ذلك، ولا أدَّعي أني ملك، لأني إنسان تعرفون نسبي، لا أقدر على ما يقدر عليه الملك، وما أتبع إلا ما يوحِي الله به إليَّ. وبين لهم أن المَلَك من عند الله، والوحي هو البيان الذي ليس بإيضاح نحو الإشارة والدلالة»
الشيخ الطوسي، تفسير التبيان في تفسير القرآن، الطبعة القديمة، طهران، ج1/ص613، أو الطبعة الجديدة
ثم كتب الشيخ الطوسي -رحمة الله عليه- يقول: «وإنما أمره بأن يقول ذلك لئلا يدَّعوا فيه ما ادَّعت النصارى في المسيح، ولئلا يُنْزِلُوهُ منزلةً خلاف ما يستحقُّه. ثم أمره بأن يقول لهم:
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ؟)
أي هل يستوي العارف بالله تعالى وبدينه العالم به مع الجاهل به وبدينه، فجعل الأعمى مثلاً للجاهل والبصير مثلا للعارف بالله ونبيه». وتابع بعد أسطر يقول: «وإنما المراد (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ)
فأشاهد من أمر الله وغيبته عن العباد ما يشاهده الملائكة المقرَّبون المختصون بملكوت السماوات». لشيخ الطوسي، تفسير التبيان في تفسير القرآن، الطبعة القديمة، طهران، ج1/ص613، أو الطبعة الجديدة انتهى كلام الشيخ الطوسي.
كانت تلك آية واضحة من القرآن الكريم يأمر فيها الرب سبحانه نبيه أن يعلن أنه لا يعلم الغيب وأنه ليس بملَك، أي أنه لا يمتلك حتى قدرة مَلَك من الملائكة!
وكان ذلك تفسير أحد أكبر علماء الشيعة في أهم التفاسير الشيعية لتلك الآية، ولم نضف على ما قاله أي كلمة من عندنا.
فقارنوا الآن مضمون تلك الآية الكريمة وتفسير أكبر علماء الشيعة لها بكلمات الكفر التي قالها آية الله عظمى القرن العشرين (!) أبي الفضل النبوي حيث قال إن العلم الذي أثبته الله لنفسه بقوله: ﴿عَالِمِ الغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ﴾ [سبأ/3]،
ثابت بعينه للأئمة أولياء الله!! قارنوا بين القولين جيداً واحكموا هل قول أبي الفضل النبوي هذا شرك أم لا؟
وأمر الله تعالى نبيه أن يقول: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف/188].
فإذا كان النبيُّ لا يملك نفعَ نفسه ولا ضرَّها إلا إلى الحدِّ الذي يشاؤه الله، أي ذاك الاختيار الذي منحه الله للإنسان ليجلب لنفسه النفع والضرر ليكون مسؤولاً عن عمله، فكيف يكون قادراً على جلب النفع ودفع الضرر عن الناس؟؟.
وقد فسّر الطوسي - هذه الآية الكريمة بقوله: «أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله أن يقول للمكلفين إني
(لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ)
أن يملّكني إياه، فمشيئته تعالى في الآية واقعةٌ على تمليك النفع والضـر لا على النفع والضر، لأنه لو كانت المشيئة إنما وقعت على النفع والضـر كان الإنسان يملك ما شاء الله من النفع، وكان يملك الأمراض والأسقام وسائر ما يفعله الله فيه مما لا يجدله عن نفسه دفعاً.
ومعنى الآية إني أملك ما يملّكني الله من الأموال وما أشبهها مما يملكهم ويمكنهم من التصرف فيها على ما شاؤوا، وكيف شاؤوا. والضر الذي ملّكهم الله إيّاه هو ما مكنهم منه من الإضرار بأنفسهم وغيرهم، ومن لم يملّكه الله شيئاً منه لم يملكه.».
وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ﴾ [الأعراف/188]. ما نصه: «معناه إني لو كنت أعلم الغيب لعلمت ما يربح من التجارات في المستقبل وما يخسر من ذلك فكنت أشتري ما أربح وَأتجنّب ما أخسـر فيه، فتكثر بذلك الأموال والخيرات عندي، وكنت أعدّه في زمان الخصب لزمان الجدب (وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) يعني الفقر إذا فعلت ذلك.»
ثم قال -: «وقال البلخي: لو كنت أعلم الغيب لكنت قديماً، والقديم لا يمسه السوء لأن أحداً لا يعلم الغيب إلا الله..... وقوله تعالى:
(إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) معناه لست إلا مخوِّفا من العقاب محذِّراً من المعاصي ومبشِّراً بالجنَّة حاثاً عليها غير عالم بالغيب»الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، الطبعة (القديمة) طهران، ج1/ص773. انتهى كلام الطوسي .
إذن الآية الكريمة تشير، لا بل تصـرِّح بأن من ينسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم الغيب، ليس بمؤمن، فما بالك بمن ينسب علم الغيب إلى من هو أدنى من النبيّ؟!
إن جميع آيات الكتاب الإلهي تؤكِّد هذه الحقيقة وتصدِّقها. والدلائل الواضحة من كلام الله تعالى في آيات القرآن ومن السيرة العطرة لنبي آخر الزمان وتاريخ وسير الأئمة من آله والتي تنادي بأعلى صوتها أنه لا النبي ولا أي أحد آخر سوى الله تعالى يعلم الغيب،
وتصريح القرآن بأن كل من كان عالماً بالغيب، سواء كان نبياً أم من هو أقل رتبة منه، فإن من الخواص الحتمية والتلقائية لهذا العلم هي أن يسعى إلى جلب النفع لنفسه ودفع الضرر عنها، وبالتالي فلم يكن أحد منهم عالماً بالغيب لأننا نعلم من سيرتهم علم اليقين أنهم لم يكونوا قادرين على دفع كثير من الأضرار وجلب كثير من المنافع لأنفسهم في كثير من محطات حياتهم.
مع هذا يصر الشيعه على أن الأئمة كانوا يعلمون العلم الذي وصفه الله بقوله: ﴿عَالِمِ الغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ﴾ [سبأ/3]!!!
نسأل الله الهداية لهؤلاء الذين يكذِّبون بدعاويهم وأقوالهم آيات القرآن وينحرفون عن صريح ما أنزل الله ويضلون الناس عن شريعة الله الحقة!
قال تعالي : ﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ...﴾[هود/31]، و هذه الآية الكريمة تأييداً وتأكيداً لنفي علم الغيب عن الأنبياء ولنبيِّنَ أن شعار جميع الأنبياء كان ﴿ وَلَا أَعْلَمُ الغَيْبَ ﴾.
وفي سورة هود ذاتها أيضاً نقرأ قوله تعالى: ﴿وَلِـلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [هود/123].
وكذلك يقول سبحانه: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ﴾ [النمل/65].
إذا عرفنا ذلك فعلينا أن نرى ما الذي دفع الشيعه علي زعم ان الائمه يعلمون الغيب !!!!
من يدعي ! إلى التعامي عن كل تلك الآيات الصـريحة والإصرار على قوله إن الأئمة أولياء الله يعلمون الغيب، وأي غيب؟ إنه الغيب الذي وصفه الله تعالى بقوله: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾!! [يونس/61].
ولنا أن نسأل ألم يكن الأئمة أنفسهم من كائنات الأرض والسماء؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أفلا يلزم من ادعاء الشيعه ذاك انهم ليسوا من كائنات الأرض والسماء وأن يكونوا بالتالي -نعوذ بالله- آلهة للسموات والأرض!!!!!!!!!!!!
ألا يستحي ذلك الرجل من الله؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!
إن الآيات في هذا الموضوع كثيرة ونكتفي بما ذكرناه تجنّباً للإطالة وما ذكرناه كاف لأهل الإنصاف.
النبيُّ لا يعلم من الغيب سوى الوحي!
وفيما يلي نذكر الآيات التي تدلّ دلالة صريحة على أن نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يعلم شيئاً من الغيب سوى ما يوحيه الله إليه أحياناً، وأن ما كان يُوحَى إليه من قول أو فعل كان يطبِّقه على الفور وما أُمر بتبليغه كان يبلِّغه حالاً لعامَّة الموجودين ولم يكن يخفي شيئاً مما أوحاه الله إليه.
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الأحقاف/9].
ويقول أيضاً: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ مِنَ القَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [الأنبياء/108-111].
يقول الشيخ الطوسي في تفسيره لهذه الآيات:
[[(فان تولوا) يعني إن أعرضوا عن هذا الذي تدعوهم إليه من إخلاص التوحيد، فقل لهم (آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ) أي أعلمتكم على سواء في الإيذان تتساوون في العلم به، لم أظهر بعضكم على شيء كتمته عن غيره، وهو دليلٌ على بطلان قول أصحاب الرموز، وأن للقرآن بواطن خُصَّ بالعلم بها أقوامٌ.
وقيل على سواء (في العلم) أي صرت مثلكم، ومثله قوله﴿فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ..﴾ أي ليستوي علمك وعلمهم. وقيل معناه: لتستووا في الإيمان به.
وقوله ﴿وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ معناه لست أعلم إن ما وعدكم الله به من العقاب أقريب مجيئه أم بعيد.
وقوله ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ أي لستُ أدري لعلَّ التأخير شدَّةً في عبادتكم يظهر بها ما هو كالسـرِّ فيكم من خير أو شر، فيخلص الجزاء بحسب العمل.]] (الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، الطبعة (القديمة) طهران، ج2/ ص 297.) انتهى.
هنا يشير الطوسي،إلى نقطة هامة حول بطلان دعاوي الغلاة، إذْ يبيِّن أن كل ما يقوله القرآن من تعاليم فإن معرفته والعلم به عام لجميع الخلق على السواء فليس هناك في القرآن شيءٌ خاصٌّ بفريق دون فريق آخر حتى يستطيع بعضهم أن ينفذ من هذه الحجَّة ليصطاد عوام الناس البسطاء!!
لو لاحظتم أقاويل الغلاة لرأيتم أنهم يدعون أن للقرآن بطوناً تصل إلى سبعين بطناً، وأن العلم بالقرآن خاصٌّ بالأئمَّة فقط ولا نصيب لأحد في الدنيا من العلم به!!
ووَاضحٌ أن هذا يفتح الباب على مصـراعيه للغلاة ليلفِّقوا كلَّ ما عنَّ على خاطرهم من أمور ثم ينسبونه إلى الأئمة، فإذا أشكل أحد المؤمنين عليهم وَوجد أن كلامهم غير مقبول لعدم توافقه مع ظاهر القرآن، قالوا له: إن ما نقوله هو واحد من البطون السبعين التي يعلمها الإمام وحده من معاني القرآن!!
وأنت لا تستطيع أن تفهم ذلك، فليس أمامك إلا أن تقبل هذا الكلام الوارد عنهم!!.
أجل، كان كلامنا حول آيات القرآن التي تبين بكل صراحة ووضوح أنه لا النبيُّ ولا أحدٌ سواه يعلم الغيب إلا ما أوحاه الله لرسله من أمور ليبلِّغوها للناس.
يقول القرآن الكريم في هذا الموضوع أيضاً:
﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة/101].
كتب الشيخ الطوسي -عليه الرحمة- في تفسيره لهذه الآية: [﴿لَا تَعْلَمُهُمْ ﴾ أي لا تعرفهم يا محمد ﴿نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ أي نحن نعرفهم](الطوسي، «التبيان»، ج1/ص854.)
فالقرآن يصرح بأنَّ نبيَّ الله لم يكن يعلم حتى المنافقين الذين كانوا من حوله! فما بالك بأن يعلم علماً ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ أو يحيط بعالم الإمكان!!
ويقول الله تعالى للنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء/36]. يقول الطوسي في تفسيرها: «ثم نهى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقفو ما ليس له به علم» (الطوسي، «التبيان»، ج2/ص204)
ويقول الله تعالى على لسان نبيه الكريم: ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [ص/69]. ويقول الطوسي: «ثم أمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يقول أيضاً (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) يعني بالملأ الأعلى الملائكة اختصموا في آدم حين قيل لهم ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾
في قول ابن عباس وقتادة والسدي، فما علمتُ ما كانوا فيه إلا بوحي من الله تعالى.»(الطوسي، «التبيان»، ج2/ص511)
تلاحظون إذن أنه في جميع الآيات الكريمة المذكورة يوصي اللهُ نبيَّه الأكرمَ ليس أن ينفي عن نفسه علم الغيب فحسب بل أن يبين أنه لا يعلم حتى بالمنافقين من الأعراب الذين كانوا حوله أو الذين هم من أهل المدينة، وأنه ليس له علم بحقيقة حالهم، كما أنه لا يدري ماذا يفعل الله به وبالناس المعاصرين له؟
ولا يدري أقريب ما كان يعدهم الله به أم بعيد هو؟ كما لا يعلم هل أن هذا التأخير لما يعدهم الله به امتحان لهم أم غير ذلك؟
إذا كان الأمر كذلك فهل نصدق كلام الله تعالى ونعتبره حقاً أم نصدق ادعاء الشيعه (!) الذي يقول إن الأئمة وأولياء الله يملكون ذلك العلم ذاته الذي وصف الله به نفسه بقوله: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ﴾؟؟! [سبأ/3].
هل كان الله -والعياذ بالله- يكذب بقوله إن النبيَّ لا يعلم شيئاً من الغيب سوى ما أطْلَعَهُ الله عليه من خلال الوحي وأمر النبيَّ بتبليغه للناس أم أن الآخرين هم الذين يقولون خلاف ذلك هم الذين يكذبون؟؟
ولقد تمسَّك هؤلاء في مقابل كل تلك الآيات المحكمات التي مرَّت معنا والتي نفت علم الغيب عن غير الله وأكدت أن النبي قد أُمر أن يعلن للناس حقيقة عدم علمه بالغيب، اللهمَّ إلا ما يُوحى إليه من مضامين الشرع، وأنه ليس بينه وبين سائر البشر أي امتياز من هذه الناحية، تمسكوا بجزء من آية كريمة وهي عبارة
(إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) في قوله تعالى:
﴿عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن/26-28]،
وانطبق عليهم قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ [الحج/11]!
كما تلاحظون إن كل ما تقوله تلك الآيات [من سورة الجن] هو أن الله
1- عالم الغيب هو الله تعالى وحده فقط، ولا يظهر أحداً على غيبه.
2- أحياناً يظهر على غيبه من يرتضيه من رسول.
3- بعد أن يظهر شيئاً من غيبه لرسوله يراقبه ويحرسه حتى يبلغ ذلك الغيب إلى
الناس كما أُوحي إليه.
4- هذه الحراسة والرقابة هي التي تُسمَّى اصطلاحاً «العصمة» وهي التي تبقى
حتى يقوم الرسل بإبلاغ رسالة ربهم إلى الناس.
5- اللهُ محيطٌ بكلِّ ما لدى الأنبياء ويحصي كلَّ شيء ويعلم بما يتمُّ من إنقاص
أو زيادة -إن حدثت- في إبلاغ رسالته فقد أحصى كلَّ شيء عدداً وأحاط بكل شيء خبراً.
إذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نرى ما هو الغيب الذي يظهره الله تعالى على من ارتضاه من رسول؟!
يجب أن نرجع إلى القرآن الكريم نفسه لفهم هذا الأمر، ونبحث فيه عن مضمون هذا الغيب الذي يظهره الله على من ارتضاه من رسول:
يقول سبحانه بعد أن يقصَّ علينا قصة نذر امرأة عمران ما في بطنها لِـلَّهِ وولادة مريم والإتيان بها إلى بيت المقدس وكفالة زكريا لها: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ [آل عمران/44].
إن كلَّ من له أدنى اطلاع على التاريخ والأناجيل الموجودة اليوم بين أيدي النصارى ويلاحظ كيف حُرّفت قصة مريم في تلك الكتب السماوية المحرَّفة يدرك ويقرُّ أن ما قصَّه القرآن كان من أنباء الغيب، لأنه لم يكن أحد من البشر قبل نزول القرآن يعلم قصة مريم بالكيفية والصورة التي بينها القرآن. إن قصة حمل مريم وولادة عيسى (ع) وسائر المضامين الموجودة في الأناجيل الأربعة تختلف وتبتعد بُعْدَ السماء عن الأرض عما ذكره القرآن في هذا الصدد، مما لم يكن أحدٌ يعلمه قبل نزول القرآن.
وكذلك بعد أن يقصَّ الله تعالى علينا في سورة هود قصَّة نوح ودعوته قومَه إلى التوحيد وأمرَ اللهِ له بأن يصنع الفلك أي السفينة الكبيرة وأن يركبها هو ومن آمن معه ثم كيفية مخالفة ابن نوح لأبيه وغرقه في الطوفان، يقول: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا...﴾ [هود/49].
وكذلك بعد أن يقص علينا القرآن الكريم قصة يوسف يقول: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ [يوسف/102]، مما يبين أن قصة يوسف بالصورة والكيفية التي جاءت في القرآن كانت من الأخبار الغيبية التي أظهرها الله لرسوله وقد أبلغها الرسول بتمامها وكمالها للناس، وقد صرحت بداية سورة يوسف بهذا المعنى أي بعدم اطلاع النبي على تلك القصة قبل نزولها عليه فقال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ﴾ [يوسف/3].
فتبين بذلك بشكل واضح أن الغيب الذي أظهره الله على من ارتضاه من رسول هو الوحي والأخبار الغيبية التي أصبحنا نعلمها نحن مما في القرآن الكريم ونقرؤها متى شئنا، ولم تعد أمراً سريَّاً ولا غيباً خفياً!
فهل يبقى هناك مجال بعد أن تبين ما ذكرناه لمثل تلك الخدع والأكاذيب التي تدعي -على رغم المعنى الواضح والمقصود البيِّن لتلك الآية- تلك الترهات والتلفيقات والتصوُّرات الباطلة والخيالات المخترعة والأوهام البعيدة؟!
الأئمة الأطهار عَليهِمُ السَّلام يبرؤون من القول بهذه العقيدة - علم الغيب
بعد أن ذكرنا عشر آيات كريمة من القرآن تنصُّ على عدم علم النبيِّ أو غيره بالغيب نذكر في هذا الفصل عشرة أحاديث من كتب الشيعة الموثوقة حول الموضوع ذاته وهي أحاديث يصدِّقها القرآن الكريم، ونكتفي - بعشرة أدلة أو أحاديث، «تلك عشرة كاملة» ونعتقد أنها كافية لطلاب الحقيقة وأهل الإنصاف.
1- في رجال الكشي (طبع كربلاء، ص252) وَأمالي الشيخ الطوسي (ص 14): «عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنِ ابْنِ المُغِيرَةِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الحَسَنِ (أي الإمام موسى الكاظم) أَنَا وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحُسَيْنِ، فَقَالَ يَحْيَى: جُعِلْتُ فِدَاكَ! إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَعْلَمُ الغَيْبَ؟! فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ ضَعْ يَدَكَ عَلَى رَأْسِي فَوَاللهِ مَا بَقِيَتْ فِي جَسَدِي شَعْرَةٌ وَلا فِي رَأْسِي إِلا قَامَتْ. قَالَ ثُمَّ قَالَ: لا وَاللهِ مَا هِيَ إِلا رِوَايَةٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم.»». أي أن ما أُوحي إلى الرسول من أخبار الغيب ننقله لكم من خلال الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2- بعد ذِكْرِ أمير المؤمنين (ع) بعضاً من أخبار الأتراك وَوصفه أحوالَـهم وبيانه لبعض حوادث المستقبل «قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَقَدْ أُعْطِيتَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عِلْمَ الغَيْبِ! فَضَحِكَ (عليه السلام) وقَالَ لِلرَّجُلِ -وكَانَ كَلْبِيّاً-: يَا أَخَا كَلْبٍ! لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ وإِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِي عِلْمٍ. وإِنَّمَا عِلْمُ الغَيْبِ عِلْمُ السَّاعَةِ ومَا عَدَّدَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ.. الآيَةَ،﴾ فَيَعْلَمُ اللهُ سُبْحَانَهُ مَا فِي الأرْحَامِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وقَبِيحٍ أَوْ جَمِيلٍ وسَخِيٍّ أَوْ بَخِيلٍ وشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ ومَنْ يَكُونُ فِي النَّارِ حَطَباً أَوْ فِي الجِنَانِ لِلنَّبِيِّينَ مُرَافِقاً، فَهَذَا عِلْمُ الغَيْبِ الَّذِي لا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلا اللهُ، ومَا سِوَى ذَلِكَ فَعِلْمٌ عَلَّمَهُ اللهُ نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وآله) فَعَلَّمَنِيهِ ودَعَا لِي بِأَنْ يَعِيَهُ صَدْرِي وتَضْطَمَّ عَلَيْهِ جَوَانِحِي.» (نهج البلاغة، الخطبة 128).
من البديهي أن العلوم التي تحفظ في الصدور ويتّسع لها العقل ليست علم الغيب الذي يتضمَّن الاطلاع في كل آن وساعة على حوادث العالم ومجريات عالم الإمكان، بل هو علم يستطيع كل شخص أن يعلِّمَهُ للآخرين.
3- وجاء أيضاً في (ص 248) من كتاب «رجال الكشي» الذي يُعَدُّ من كتب الشيعة المشهورة، والذي لخَّصه الشيخ الطوسي، ما نصُّه:
« عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع): أَيَّ شَيْءٍ سَمِعْتَ مِنْ أَبِي الخَطَّابِ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّكَ وَضَعْتَ يَدَكَ عَلَى صَدْرِهِ وَقُلْتَ لَهُ عِهْ وَلَا تَنْسَ! وَإِنَّكَ تَعْلَمُ الغَيْبَ وَإِنَّكَ قُلْتَ لَهُ عَيْبَةُ عِلْمِنَا وَمَوْضِعُ سِرِّنَا أَمِينٌ عَلَى أَحْيَائِنَا وَأَمْوَاتِنَا! قَالَ: لَا وَاللهِ مَا مَسَّ شَيْءٌ مِنْ جَسَدِي جَسَدَهُ إِلَّا يَدَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنِّي قُلْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ! فَوَ اللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا أَعْلَمُ. فَلَا آجَرَنِيَ اللهُ فِي أَمْوَاتِي وَلَا بَارَكَ لِي فِي أَحْيَائِي إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَهُ. قَالَ: وَقُدَّامَهُ جُوَيْرِيَةٌ سَوْدَاءُ تَدْرُجُ، قَالَ: لَقَدْ كَانَ مِنِّي إِلَى أُمِّ هَذِهِ أَوْإِلَى هَذِهِ كَخَطَّةِ القَلَمِ فَأَتَتْنِي هَذِهِ فَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ مَا كَانَتْ تَأْتِينِي. وَلَقَدْ قَاسَمْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَسَنِ حَائِطاً بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأَصَابَهُ السَّهْلُ وَالشِّرْبُ وَأَصَابَنِي الجَبَلُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنِّي قُلْتُ هُوَ عَيْبَةُ عِلْمِنَا وَمَوْضِعُ سِرِّنَا أَمِينٌ عَلَى أَحْيَائِنَا وَأَمْوَاتِنَا، فَلَا آجَرَنِيَ اللهُ فِي أَمْوَاتِي وَلَا بَارَكَ لِي فِي أَحْيَائِي إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَهُ شَيْئاً مِنْ هَذَا قَطُّ!».
4- وكتب المرحوم الشيخ عباس القمي يقول: روى المسعودي عن «يحيى بن هرثمة» أنه لما انطلق بالإمام الهادي من المدينة وكان يقوم بخدمته ويحسن السلوك معه، وكانوا في الطريق فرأوا يوماً أن الإمام الذي كان راكباً كان يرتدي قماشاً واقياً من المطر وقد عقد ذنب فرسه، يقول: فتعجَّبْتُ من صنيعه لأن السماء كانت صافية ولم يكن فيها غيوم بل كانت الشمس ساطعة، ولكن لم تمض برهة من الزمن إلا وظهرت الغيوم في السماء وهطل المطر بغزارة وأصابنا من المطر أمر عظيم فنظر إليَّ الإمامُ وقال لي: إني أعلم أنك أنكرتَ صنيعي وتعجبتَ منه وظننتَ أنني أعلم من أمر المطر ما لا تعلمه أنت، ولكن الأمر ليس كما ظننتَ، لكنني كنتُ أعيش في البادية وعرفت الريح التي عقبها المطر فلما أصبحتُ اليومَ وهبَّت الريحُ عرفت من رائحتها قرب هطول المطر فصنعت ما صنعت... الخ.(الشيخ عباس القمي، «منتهى الآمال»، كتابفروشي اسلاميه، ج2/ص378.)
5- جاء في كتاب «أصول الكافي» (باب الإشارة والنص على الحسن بن علي -عليهما السلام-) وفي كتاب «نهج البلاغة» وفي كتاب «إثبات الوصية» للمسعودي (ص153) أنه لما ضرب ابن ملجم -لعنه الله- أمير المؤمنين (ع) وحُمل إلى منزله «فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: كُلُّ امْرِئٍ مُلَاقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ. الأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ وَالهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ. كَمْ أَطْرَدْتُ الأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا الأَمْرِ فَأَبَى اللهُ إِلَّا إِخْفَاءَهُ هَيْهَاتَ عِلْمٌ مكنونٌ مَخْزُون»(انظر نهج البلاغة، الخطبة رقم 149)
إن هذه الجمل التي نطق بها حضـرة الإمام في آخر ساعات عمره الشريف أفضل دليل على أنه لم يكن مطلعاً على أمر وكيفية مقتله،رغم أنه كان مشتاقاً إلى الشهادة كل الشوق. كما أن هذه الجمل حجر قوي في فم الغلاة الذين يدعون علم الإمام بالغيب، حتى أنهم ادعوا أن الإمام قام بإيقاظ قاتله في المسجد كي يقوم بجريمته!!.
6- روى «محمد بن إدريس العجلي الحلي» في كتابه القيم «السـرائر» (ص486)، في قسم المستطرفات منه، نقلاً عن كتاب «محمد بن علي بن محبوب» أنه روى عن عباس عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله عن الفضيل قال:«ذكرتُ لأبي عبد الله - عليه السلام - السهوَ فقال: وَينفلتُ من ذلك أحدٌ؟! ربما أقعدتُ الخادمَ خَلفي يحفظ علىَّ صلاتي. إياكم وَالغلو فينا!...».( المجلسي، بحار الأنوار ج 10/ ص 92، من الطبعة الجديدة) من البديهي أن الإمام الذي لا يحفظ أحياناً أفعال صلاته إلا بمعونة شخص آخر لا يمكن أن يكون مطلعاً على الغيب الذي وصفه الله بقوله: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ﴾ [سبأ/3]! وكل من يعتقد بمثل ذلك إما مجنون يجب أن يعالج في مستشفى المجانين أو مشرك سيلقى جزاء المشركين.
7- وروى الكشي أيضاً بسند صحيح عَنِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: «قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ! قَالَ: وَمَا يَقُولُونَ؟؟ قُلْتُ: يَقُولُونَ يَعْلَمُ قَطْرَ المَطَرِ وَعَدَدَ النُّجُومِ وَوَرَقَ الشَّجَرِ وَوَزْنَ مَا فِي البَحْرِ وَعَدَدَ التُّرَابِ؟ فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ! فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ! سُبْحَانَ اللهِ! لا وَاللهِ مَا يَعْلَمُ هَذَا إِلا اللهُ»!» (رجال الكشي، ص 299. والمجلسي، بحار الأنوار، ج 25/ ص 294.)
وأقول: رغم أن معرفة تلك الأمور لا تجعل الشخص عالماً بالغيب علماً مساوياً لعلم الله ﴿عَالِمِ الغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ [سبأ/3]، ولا مدبراً للكون والمكان، فإن الإمام - عَلَيْهِ السَّلامُ - نفى ذلك عن نفسه بوضوح وحصر هذا العلم بالله.
8- روى الشيخ الطوسي في كتابه «تهذيب الأحكام» (طبع النجف، ج3/ص40) الحديث رقم 140، والمجلسي في المجلد 18 من «بحار الأنوار» (طبع كمباني ص625) فقال: «عَلِيُّ بْنُ الحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَرْزَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ: صَلَّى عَلِيٌّ (ع) بِالنَّاسِ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَكَانَتِ الظُّهْرَ فَخَرَجَ مُنَادِيهِ أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (ع) صَلَّى عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ فَأَعِيدُوا وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ».
وأقول: هل هناك أحمق يصدق أن الإمام علياً - عَلَيْهِ السَّلامُ - الذي كانت صلاة الظهر في نظره أعز الأعمال والعبادات ورغم ذلك لم يدْر أنه صلاها دون طهارة، يعلم علم الغيب وأسرار السموات والأرضين على نحوٍ: ﴿لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ﴾ [سبأ/3]؟! فلعن الله الغلاة الذين افتروا تلك الأوهام وأضلوا الناس.
9- جاء في كثير من الأحاديث أن الراسخين في العلم هم الأئمة الأطهار، من ذلك ما جاء في «أصول الكافي» في باب عنوانه: «بَابُ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي العِلْمِ هُمُ الأَئِمَّةُ -عَليهِمُ السَّلام-». وقد جاءت هذه الأحاديث أيضاً في تفسير علي بن إبراهيم القمي، وتفسير البرهان.هذا رغم أن هذه الصفة (الرسوخ في العلم) تشمل كل شخص عالم راسخ في علمه، كما وصف الله تعالى علماء اليهود والنصارى بهذه الصفة حين قال عنهم:
﴿لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالمُقيمينَ الصَّلاةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتيهِمْ أَجْراً عَظيماً ﴾ [النساء/162].
ولكن لما روت كتب حديث الشيعة خاصة كتاب «أصول الكافي» عن حضرة الصادق - عَلَيْهِ السَّلامُ - أنه قال: «الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَالأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ -عَليهِمُ السَّلام-»الكُلَيْنِيّ، «الكافي»، ج 1/ ص 214.)
فنحن أيضاً نستفيد مما تفضل به أمير المؤمنين - عَلَيْهِ السَّلامُ - في صفة الراسخين بالعلم وبيانه أنهم لا يعلمون الغيب حيث قال: «وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي العِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ المَضْرُوبَةِ دُونَ الغُيُوبِ الإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الغَيْبِ المَحْجُوبِ فَمَدَحَ اللهُ تَعَالَى اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً وَسَمَّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِيمَا لَمْ يُكَلِّفْهُمُ البَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً...» [نهج البلاغة، الخطبة 91].
ومراد الإمام هنا من عدم العلم بالغيب نفي العلم بتأويل متشابهات القرآن الذي بيَّنه اللهُ تعالى بقوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ﴾ [آل عمران/7]. إذن الأئمة -عَليهِمُ السَّلام- الذين هم الراسخون في العلم لم يكونوا، حسب بيان أمير المؤمنين - عَلَيْهِ السَّلامُ -، يعلمون تأويل متشابهات القرآن، وقد مدحهم الله تعالى بإقرارهم بجهلهم بهذا الأمر فما بالك بادعاء علمهم بجمع حوادث عالم الإمكان! ولا أدري ماذا يقول غلاة عصرنا المجانين بشأن هذا البيان الواضح؟
10 - جاء في كتاب «الاحتجاج» للشيخ الطبرسي، وَفي المجلد السابع عشـر من كتاب «بحار الأنوار» للمجلسي (طبع كمباني، ص345)، هذا التوقيع الذي صدر عَنْ الإمام الثاني عشر رَدّاً عَلَى الغُلَاةِ، وقد جاء جَوَاباً لِكِتَابٍ كُتِبَ إِلَيْهِ عَلَى يَدَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ هِلَالٍ الكَرْخِيِّ، ونورده فيما يلي في ختام هذه الأحاديث العشـرة التي ينفي فيها الأئمة علمهم بالغيب ليكون ختامه مسكاً، ونص التوقيع الرفيع هو ما يلي: بحار الأنوار، ج 25 / ص 266 -268.
«يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ! تَعَالَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا يَصِفُونَ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ لَيْسَ نَحْنُ شُرَكَاءَهُ فِي عِلْمِهِ وَلَا فِي قُدْرَتِهِ بَلْ لَا يَعْلَمُ الغَيْبَ غَيْرُهُ كَمَا قَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ﴾ [النمل/65]،...... يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ قَدْ آذَانَا جُهَلَاءُ الشِّيعَةِ وَحُمَقَاؤُهُمْ وَمَنْ دِينُهُ جَنَاحُ البَعُوضَةِ أَرْجَحُ مِنْهُ وَأُشْهِدُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَكَفَى بِهِ شَهِيداً وَمُحَمَّداً رَسُولَهُ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ وَأُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ كُلَّ مَنْ سَمِعَ كِتَابِي هَذَا أَنِّي بَرِيءٌ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِمَّنْ يَقُولُ إِنَّا نَعْلَمُ الغَيْبَ أَوْ نُشَارِكُ اللهَ فِي مُلْكِهِ أَوْ يُحِلُّنَا مَحَلًّا سِوَى المَحَلِّ الَّذِي نَصَبَهُ اللهُ لَنَا وَخَلَقَنَا لَهُ أَوْ يَتَعَدَّى بِنَا عَمَّا قَدْ فَسَّرْتُهُ لَكَ وَبَيَّنْتُهُ فِي صَدْرِ كِتَابِي.....
فَكُلُّ مَنْ فَهِمَ كِتَابِي وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى مَا قَدْ أَمَرْتُهُ وَنَهَيْتُهُ فَلَقَدْ حَلَّتْ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ مِنَ اللهِ وَمِمَّنْ ذَكَرْتُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ ». بحار الأنوار، ج 25 / ص 266 -268.
ونكتفي بما ذكرناه ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾.
عقيدة أصحاب الأئمَّة فيهم عَليهِمُ السَّلام:
سنذكر في هذا الفصل بعض النماذج المختصرة لعقيدة خواص أصحاب الأئمة -عَليهِمُ السَّلام- بعلم أئمتهم، تُظهِرُ بوضوح أنهم لم يكونوا يعتقدون إطلاقاً بعلم الأئمة بالغيب، بل لم يكونوا يعتقدون بامتلاك الأئمة لما هو أقل بكثير من علم الغيب! وذلك لكي تستبين درجة ضلال غلاة عصرنا وبعدهم عن الحقيقة:
1- جاء في كتاب «وقعة صفين» لنصر بن مزاحم (ص99)، والمجلد الثامن من كتاب «بحار الأنوار» (طبع تبريز، ص450)، عبارات بالمضمون التالي:
«وَ خَشِيَ معاويةُ أن يبايع القراءُ عليَّاً على القتال، فأخذ في المكر وَأخذ يحتال للقراء لكيما يحجموا عنه وَيكفوا حتى ينظروا.
قال وَإن معاوية كتب في سهم: من عبد الله الناصح فإني أخبركم أن معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم فخذوا حذركم ثم رمى معاوية بالسهم في عسكر عليٍّ (ع) فوقع السهم في يدي رجل من أهل الكوفة فقرأه ثم أقرأه صاحبَهُ فلما قرأه وَأقرأه الناسَ أقرأه من أقبل وَأدبر،
قالوا: هذا أخ ناصح كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية، فلم يزل السهم يقرأ وَيرتفع، حتى رُفع إلى أمير المؤمنين، وَقد بعث معاويةُ مائتي رجل من الفعلة إلى عاقول من النهر بأيديهم المرور وَالزبل يحفرون فيها بحيال عسكر علي بن أبي طالب
فقال عليٌّ (ع): ويحكم! إن الذي يعالج معاويةُ لا يستقيم له وَلا يقوم عليه وَإنما يريد أن يزيلكم عن مكانكم فالهوا عن ذلك وَدعوه. فقالوا له: لا ندعهم وَالله يحفرون الساعة.
فقال عليٌّ يا أهل العراق لا تكونوا ضعفي، ويحكم! لا تغلبوني على رأيي!
فقالوا: وَالله لنرتحلن فإن شئت فارتحل وَإن شئت فأقم. فارتحلوا وَصعدوا بعسكرهم مليَّاً وَارتحل علي في أخريات الناس»وقعة صفين، ص 190 - 191
وكذلك قصة رفع المصاحف وتعيين الحكمين حيث قام أصحاب الإمام بفرض تعيين الحكمين عليه [وفرضوا عليه أبا موسى الأشعري ليكون الحكم من طرفه] وعشرات القصص الأخرى التي تبيِّن أن الأكثرية الساحقة لأصحاب الإمام لم تكن تعتقد أنه عالم بالغيب
2- لم يكن أبناءُ عليٍّ أنفُسُهم - طبقاً لما تذكره التواريخ والأخبار - يعتقدون في أبيهم ما اعتقده غلاة الشيعة فيه فيما بعد!. والشاهد على ذلك ما رواه الشيخ المفيد في «المجالس» ونقله عنه المجلسـيُّ في «بحار الأنوار» (المجلد الثامن/ص353) قال: «وَ قَالَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ حِينَ أَحَاطَ النَّاسُ بِعُثْمَانَ اخْرُجْ مِنَ المَدِينَةِ وَاعْتَزِلْ، فَإِنَّ النَّاسَ لَا بُدَّ لَـهُمْ مِنْكَ، وَإِنَّهُمْ لَيَأْتُونَكَ وَلَوْ كُنْتَ بِصَنْعَاءَ، وَأَخَافُ أَنْ يُقْتَلَ هَذَا الرَّجُلُ وَأَنْتَ حَاضِرُهُ.».( المجلسي، بحار الأنوار، ج 31 / ص 487) فأجاب الإمام ابنَه قائلاً: «فَقَالَ يَا بُنَيَّ! أَأَخْرُجُ عَنْ دَارِ هِجْرَتِي؟! وَمَا أَظُنُّ أَحَداً يَجْتَرِئُ عَلَى هَذَا القَوْلِ كُلِّهِ...»(المجلسي، بحار الأنوار، ج 31 / ص 487).
من الواضح أنه لو كان الإمام الحسن يعتقد في أبيه الكريم أنه عالم بالغيب وعارف بظاهِرِ كلِّ أمر وباطنِهِ لما أشار عليه بالخروج من المدينة والاعتزال؟! أفلا تعقلون؟
3- في المجلد الثامن من كتاب «بحار الأنوار» للمجلسـي (طبع كمباني، ص387)، وأمالي الشيخ المُفِيدِ وأمالي الشيخ الطوسي (ص 51)، بسندهم «عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ عَلِيٌّ بِالرَّبَذَةِ سَأَلْتُ عَنْ قُدُومِهِ إِلَيْنَا فَقِيلَ خَالَفَ عَلَيْهِ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ وَصَارُوا إِلَى البَصْرَةِ فَخَرَجَ يُرِيدُهُمْ فَصِرْتُ إِلَيْهِ فَجَلَسْتُ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَامَ إِلَيْهِ ابْنُهُ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ بَكَى وَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُكَلِّمَكَ، وَبَكَى. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ: لَا تَبْكِ يَا بُنَيَّ وَتَكَلَّمْ وَلَا تَحِنَّ حَنِينَ الجَارِيَةِ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! إِنَّ القَوْمَ حَصَرُوا عُثْمَانَ يَطْلُبُونَهُ بِمَا يَطْلُبُونَهُ إِمَّا ظَالِمُونَ أَوْ مَظْلُومُونَ فَسَأَلْتُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ النَّاسَ وَتَلْحَقَ بِمَكَّةَ حَتَّى تَؤُبَّ [تَئُوبَ] العَرَبُ وَتَعُودَ إِلَيْهَا أَحْلَامُهَا وَتَأْتِيَكَ وُفُودُهَا فَوَاللهِ لَوْ كُنْتَ فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَضَـرَبَتْ إِلَيْكَ العَرَبُ آبَاطَ الإِبِلِ حَتَّى تَسْتَخْرِجَكَ مِنْهُ. ثُمَّ خَالَفَكَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَسَأَلْتُكَ أَنْ لَا تَتْبَعَهُمَا وَتَدَعَهُمَا فَإِنِ اجْتَمَعَتِ الأُمَّةُ فَذَاكَ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ رَضِيتَ بِمَا قَسَمَ اللهُ، وَأَنَا اليَوْمَ أَسْأَلُكَ أَنْ لَا تَقْدَمَ العِرَاقَ وَأُذَكِرُّكَ بِاللهِ أَنْ لَا تُقْتَلَ بِمَضِيعَةٍ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (ع): أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ عُثْمَانَ حُصِرَ فَمَا ذَاكَ وَمَا عَلَيَّ مِنْهُ وَقَدْ كُنْتُ بِمَعْزِلٍ عَنْ حَصْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُكَ ائْتِ مَكَّةَ فَوَاللهِ مَا كُنْتُ لِأَكُونَ الرَّجُلَ الَّذِي يُسْتَحَلُّ بِهِ مَكَّةُ. وَأَمَّا قَوْلُكَ اعْتَزِلِ العِرَاقَ وَدَعْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ فَوَاللهِ مَا كُنْتُ لِأَكُونَ كَالضَّبُعِ تَنْتَظِرُ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهَا طَالِبُهَا فَيَضَعَ الحَبْلَ فِي رِجْلِهَا حَتَّى يَقْطَعَ عُرْقُوبَهَا ثُمَّ يُخْرِجَهَا فَيُمَزِّقَهَا إِرْباً إِرْباً؛ وَلَكِنَّ أَبَاكَ يَا بُنَيَّ يَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الحَقِّ المُدْبِرَ عَنْهُ وَبِالسَّامِعِ المُطِيعِ العَاصِيَ المُخَالِفَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي...».المجلسي، بحار الأنوار، ج 32 / ص 103-104.
4- كان «سُفْيَانُ بْنُ أَبِي لَيْلَى» أحد خواص أصحاب الإمام الحسن بن علي عليهما السلام، ويشهد على مدى قربه من الإمام ما رواه الكشـي في رجاله (ص15) عن الإمام موسى بن جعفر - عَلَيْهِ السَّلامُ - ضمن حديث، أنه: «إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ..... [إلى قوله]... ثُمَّ يُنَادِي المُنَادِي «أَيْنَ حَوَارِيُّ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ [وَ] ابْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ»؟ فَيَقُومُ سُفْيَانُ بْنُ أَبِي لَيْلَى الهَمْدَانِيُّ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ الغِفَارِيُّ...».
هذا الحواريُّ الخاصُّ للإمام الحسن - عَلَيْهِ السَّلامُ - الذي سينادَى بوصفه حَوَارِيَّ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يوم القيامة، قال هو نفسه للإمام الحسن: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ المُؤْمِنِينَ»! وذاك طبقاً للرواية التالية التي رواها الكشي في رجاله (ص103) عن أبي حمزة عن الإمام محمد الباقر - عَلَيْهِ السَّلامُ - قال:
«جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الحَسَنِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - يُقَالُ لَهُ سُفْيَانُ بْنُ لَيْلَى وَهُوَ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ فَدَخَلَ عَلَى الحَسَنِ وَهُوَ مُحْتَبٍ فِي فِنَاءِ دَارِهِ فَقَالَ لَهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ المُؤْمِنِينَ! فَقَالَ لَهُ الحَسَنُ: انْزِلْ وَلَا تَعْجَلْ فَنَزَلَ فَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ فِي الدَّارِ وَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ. قَالَ فَقَالَ لَهُ الحَسَنُ: مَا قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ المُؤْمِنِينَ! قَالَ: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ قَالَ عَمَدْتَ إِلَى أَمْرِ الأُمَّةِ فَخَلَعْتَهُ مِنْ عُنُقِكَ وَقَلَّدْتَهُ هَذَا الطَّاغِيَةَ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ الحَسَنُ (ع) سَأُخْبِرُكَ لِمَ فَعَلْتُ ذَلِكَ...»المجلسي، بحار الأنوار، ج 44 / ص 23- 24
هكذا نرى أن كل ما فعله الإمام الحسن أنه أمر «سفيان بن أبي ليلى» بالصبر والاصطبار، ولم يقل له أبداً: اسكت! إني عالمٌ بالغيب وعارفٌ بما ستصير إليه الأمور لذا قمت بما قمت به!! كما أن «سفيان بن أبي ليلى» أيضاً لم يكن يعتقد في حق الإمام الحسن بمثل تلك العقيدة ولا كان أحد من الشيعة في زمن الحسن يعتقد فيه بمثل ذلك. (للاطلاع أكثر على هذه القضية يراجع رجال الكشي).
5- جاء في المجلد العاشر من «بحار الأنوار» (ص115) أن «مُسَيَّبِ بْنِ نَجَبَة الفزاري» (أحد رؤوس الكوفة ومن شيعة الإمام الحسن) وَ«سليمان بن صُرَد الخزاعي» (أحد الصحابة الأجلاء ومن أشراف الكوفة ومن زعماء الشيعة المعروفين) قالا للإمام الحسن (ع): «مَا يَنْقَضِي تَعَجُّبُنَا مِنْ بَيْعَتِكَ مُعَاوِيَةَ وَمَعَكَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ كُلُّهُمْ يَأْخُذُ العَطَاءَ وَهُمْ عَلَى أَبْوَابِ مَنَازِلِهِمْ وَمَعَهُمْ مِثْلُهُمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ سِوَى شِيعَتِكَ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ وَالحِجَازِ ثُمَّ لَمْ تَأْخُذْ لِنَفْسِكَ ثِقَةً فِي العَقْدِ وَلَا حَظّاً مِنَ العَطِيَّةِ فَلَوْ كُنْتَ إِذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَشْهَدْتَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وُجُوهَ أَهْلِ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَكَتَبْتَ عَلَيْهِ كِتَاباً بِأَنَّ الأَمْرَ لَكَ بَعْدَهُ كَانَ الأَمْرُ عَلَيْنَا أَيْسَرَ وَلَكِنَّهُ أَعْطَاكَ شَيْئاً بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ لَمْ يَفِ بِهِ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَالَ عَلَى رُءُوسِ الأَشْهَادِ إِنِّي كُنْتُ شَرَطْتُ شُرُوطاً وَوَعَدْتُ عِدَاةً إِرَادَةً لِإِطْفَاءِ نَارِ الحَرْبِ وَمُدَارَاةً لِقَطْعِ الفِتْنَةِ فَلَمَّا أَنْ جَمَعَ اللهُ لَنَا الكَلِمَ وَالأُلْفَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ تَحْتَ قَدَمَيَّ وَاللهِ مَا عَنَى بِذَلِكَ غَيْرَكَ وَمَا أَرَادَ إِلَّا مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَقَدْ نَقَضَ فَإِذَا شِئْتَ فَأَعِدِ الحَرْبَ خُدْعَةً وَائْذَنْ لِي فِي تَقَدُّمِكَ إِلَى الكُوفَةِ فَأُخْرِجَ عَنْهَا عَامِلَهُ وَأُظْهِرَ خَلْعَهُ وَتَنَبَّذْ إِلَيْهِ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخائِنِينَ. وَتَكَلَّمَ البَاقُونَ بِمِثْلِ كَلَامِ سُلَيْمَانَ. فَقَالَ الحَسَنُ (ع): أَنْتُمْ شِيعَتُنَا وَأَهْلُ مَوَدَّتِنَا فَلَوْ كُنْتُ بِالْحَزْمِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا أَعْمَلَ وَلِسُلْطَانِهَا أَرْكَضَ وَأَنْصَبَ مَا كَانَ مُعَاوِيَةُ بِأَبْأَسَ مِنِّي بَأْساً وَلَا أَشَدَّ شَكِيمَةً وَلَا أَمْضَى عَزِيمَةً وَلَكِنِّي أَرَى غَيْرَ مَا رَأَيْتُمْ وَمَا أَرَدْتُ بِمَا فَعَلْتُ إِلَّا حَقْنَ الدِّمَاءِ فَارْضُوا بِقَضَاءِ اللهِ وَسَلِّمُوا لِأَمْرِهِ وَالزَمُوا بُيُوتَكُمْ وَأَمْسِكُوا.»(المجلسي، بحار الأنوار، ج 44 / ص 29- 30)
يا ترى لو كان هذان الصاحبان الجليلان للإمام الحسن يعتقدان في حقه أنه يعلم الغيب، هل كانا يقترحان عليه مثل ذلك الاقتراح؟!!!!!!!!
الجواب واضح. أضف إلى ذلك أن الإمام الحسن (ع) نفسه لم يدَّعِ أيضاً شيئاً من ذلك في إجابته على اقتراحهما.
وقد أضاف «ابن شهرآشوب» في «المناقب» أن «حجر بن عدي» (وهو من خواص أصحاب أمير المؤمنين والإمام الحسن -عليهما السلام-)
كان حاضراً في ذلك المجلس أيضاً فقال للإمام: لوددت أنك كنت مت في مثل ذلك اليوم ومتنا نحن أيضاً معك! ولم نر مثل هذا اليوم!. فهل يمكن لمن يعتقد بعلم الإمام بالغيب أن يقول له مثل هذا الكلام؟
وقد ذكرت كتب التواريخ كراهة الإمام الحسين - عَلَيْهِ السَّلامُ - لمبايعة أخيه الإمام الحسن - عَلَيْهِ السَّلامُ - لمعاوية ومن أراد الاطلاع على ذلك يمكنه أن يرجع إلى كتب التاريخ مثل تاريخ دمشق لابن عساكر! (طريق الاتحاد) حاشية الصفحة 141.
6- كان «زرارة بن أعين» من خواص أصحاب الإمام جعفر الصادق وشيعته المخلصين وقد وردت في فضله أحاديث كثيرة. ورغم ذلك نجد أنه -كما تفيده عدة أخبار في كتب الشيعة- لم يكن يعتقد في الإمام الصادق (ع) أنه يعلم الغيب وليس هذا فحسب بل كان يعرب عن شكه أو تحفظه بشأن بعض أقوال الإمام الصادق أو فتاويه العادية. فمثلاً جاء في رجال الكشي (ص141): «عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن عيسى بن أبي منصور وَأبي أسامة الشحام وَيعقوب الأحمر، قالوا كنا جلوساً عند أبي عبد الله [الإمام الصادق] (عليه السلام) فدخل عليه زرارة فقال إن الحكم بن عتيبة حدَّث عن أبيك أنه قال: صلِّ المغرب دون المزدلفة؟ فقال له أبو عبد الله (ع): أنا تأملته، ما قال أبي هذا قط، كذب الحكم على أبي، قال، فخرج زرارة وَهو يقول: ما أرى الحَكَمَ كذَبَ على أبيه.»
أقول: من الواضح من هذه الرواية أن زرارة علاوة على عدم اعتقاده بعلم الإمام الصادق بالغيب كان ينفي -تلويحاً- علم الإمام العادي ببعض الأمور!.
7- وفي رجال الكشّي أيضاً (ص 120) أن زرارة اطلع على رسالة كتبها الإمام الصادق (ع) إلى أحد شيعته الذي اختفى خوفاً من الملاحقة، فلم يقتنع بما كتبه الصادق في الرسالة وقال: «إني كنت أرى جعفراً أعلم مما هو...»(رجال الكشي، ص 157-158).
8- جاء في كتاب «تنقيح المقال» (ج1/ص166) بالإسناد عن عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ القَصِيرِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع): «ائْتِ زُرَارَةَ وَبُرَيْداً وَقُلْ لَهُمَا مَا هَذِهِ البِدْعَةُ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»؟؟(قال المجلسي في شرح هذا الخبر: كانت بدعتهما في القول بالاستطاعة) فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَخَافُ مِنْهُمَا فَأَرْسَلَ مَعِي لَيْثَ المُرَادِيِّ. فَأَتَيْنَا زُرَارَةَ فَقُلْنَا لَهُ مَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع) فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ أَعْطَانِيَ الِاسْتِطَاعَةَ ومَا شَعَرَ!».
وقد روى الكشّي أيضاً هذه الرواية (ص 208) وَفي آخرها زيادة: «وَ أَمَّا بُرَيْدٌ فَقَالَ وَاللهِ لَا أَرْجِعُ عَنْهَا أَبَداً!!»(المجلسي، بحار الأنوار، ج 2 / ص 310.).
9- وفي رجال الكشّي أيضاً (ص 133) جاء: «عن زياد بن أبي الحلال، قال قلت لأبي عبد الله (ع): إن زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئاً فقبلنا منه وَصدَّقناه وَقد أحببتُ أن أعرضه عليك. فقال: هاته. قلت: فزعم أنه سألك عن قول الله عز وَجل: ﴿وَ لِـلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ [آل عمران/97]؟ فقلتَ: من ملك زاداً وَراحلة، فقال: كل من ملك زادا وَراحلة فهو مستطيع للحج وَإن لم يحج؟ فقلت: نعم. فقال: ليس هكذا سألني وَلا هكذا قلتُ، كذب عليَّ وَالله، كذب عليَّ وَالله، لعن الله زرارة لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، إنما قال لي: من كان له زاد وَراحلة فهو مستطيع للحج؟. قلت: وَقد وجب عليه، قال: فمستطيع هو؟ فقلت: لا حتى يؤذن له، قلتُ: فأُخْبرُ زرارةَ بذلك؟ قال: نعم. قال زيادٌ: فقدمت الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبو عبد الله (عليه السلام) وَسكتُّ عن لعنه، فقال: أما إنه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم، وَصاحبكم هذا ليس له بصيرة بكلام الرجال!.».
تلك كانت عقيدة زرارة في علم الإمام. وزرارة هذا - الذي عرفنا رأيه واعتقاده في علم الإمام - هو نفسه رُوِيَ عن الإمام الصادق - عَلَيْهِ السَّلامُ - أنه قال عنه: «رَحِمَ اللهُ زُرَارَةَ بْنَ أَعْيَنَ لَوْلَا زُرَارَةُ لَانْدَرَسَتْ أَحَادِيثُ أَبِي» المجلسي، بحار الأنوار، ج 47 / ص 390، نقلاً عن كتاب «الاختصاص» للشيخ المفيد. وروي نحو ذلك أيضاً عن الإمام الصادق فيما رواه الكشي بسنده «عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ: بَشِّرِ المُخْبِتِينَ بِالْجَنَّةِ بُرَيْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ العِجْلِيُّ وَأَبُو بَصِيرٍ لَيْثُ بْنُ البَخْتَرِيِّ المُرَادِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَزُرَارَةُ أَرْبَعَةٌ نُجَبَاءُ أُمَنَاءُ اللَّهِ عَلَى حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ لَوْ لَا هَؤُلَاءِ انْقَطَعَتْ آثَارُ النُّبُوَّةِ وَانْدَرَسَتْ». انظر: الكشي، رجال الكشي، ص 170. والحرّ العاملي، «وسائل الشيعة»، ج 27/ص 142. (تر)
و رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (الصادق) (ع) يَقُولُ: «مَا أَحَدٌ أَحْيَا ذِكْرَنَا وَأَحَادِيثَ أَبِي إِلَّا زُرَارَةُ وَأَبُو بَصِيرٍ المُرَادِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَبُرَيْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَلَوْلَا هَؤُلَاءِ مَا كَانَ أَحَدٌ يَسْتَنْبِطُ هُدًى. هَؤُلَاءِ حُفَّاظُ الدِّينِ وَأُمَنَاءُ أَبِي عَلَى حَلَالِ اللهِ وَحَرَامِهِ وَهُمُ السَّابِقُونَ إِلَيْنَا فِي الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة.»(الحرّ العاملي، «وسائل الشيعة»، ج 27/ص 144).
10 - وَفي رجال الكشّي أيضاً (ص 153 وَ154) عَنْ شُعَيْبٍ العَقَرْقُوفِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) عَنِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ وَلَهَا زَوْجٌ فَظَهَرَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: تُرْجَمُ المَرْأَةُ وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ مِائَةَ سَوْطٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ. قَالَ شُعَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ [أي الإمام الكاظم(ع)] فَقُلْتُ لَهُ: امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ وَلَهَا زَوْجٌ؟ قَالَ: تُرْجَمُ المَرْأَةُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّجُلِ. فَلَقِيتُ أَبَا بَصِيرٍ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُ أَبَا الحَسَنِ (ع) عَنِ المَرْأَةِ الَّتِي تَزَوَّجَتْ وَلَهَا زَوْجٌ؟ قَالَ: تُرْجَمُ المَرْأَةُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّجُلِ، فَمَسَحَ صَدْرَهُ وَقَالَ: مَا أَظُنُّ صَاحِبَنَا تَنَاهَى حُكْمُهُ بَعْدُ!.»(المجلسي، بحار الأنوار، ج 76 /ص 58).
وقد روى الكشِّيّ في رجاله الرواية ذاتها بسند آخر عن شُعَيْبٍ العَقَرْقُوفِيِّ وفي آخرها أن أبا بصير: «ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ يَحُكُّهَا [وقال]: أَظُنُّ صَاحِبَنَا مَا تَكَامَلَ عِلْمُه!»(المصدر السابق).
تلك كانت عقيدة «أبي بصير» في علم الإمام. والعجيب أن أبا بصير هذا هو الشخص ذاته الذي يروي الغلاةُ أن الإمام الصادق - عَلَيْهِ السَّلامُ - قال له: «إِنَّ عِنْدَنَا عِلْمَ مَا كَانَ وَعِلْمَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ!!»(الكُلَيْنِيّ، «الكافي»، ج1/ ص 39-40) كما مر معنا فيما سبق.
تشهد هذه الأمثلة العشرة من مواقف وأقوال بعض أصحاب الأئمة -عَليهِمُ السَّلام- الخاصين أنهم فضلاً عن عدم اعتقادهم بعلم أئمتهم الغيب،كانوا يعترضون أحياناً على رأي الأئمة في بعض الأمور العادية، فهل يمكننا أن نصدق أن الأئمة كانوا يقولون لمثل هؤلاء الأصحاب إنهم يعلمون الغيب ويعلمون ما كان وما يكون؟!
هذا بمعزل عن أن كل من كان يؤمن بالله والقرآن واليوم الآخر لا يمكنه أن يقول بمثل ذلك القول في حق الأئمة، وأن تلك الادعاءات ليست في الواقع إلا من اختراع الغلاة وتلفيقات أعداء الإسلام وأعداء الأئمة -عَليهِمُ السَّلام-.
لو دقَّقتم النظر في جميع الأخبار التي تتحدث عن علم الأئمة بالغيب والموجودة في كتب الشيعة مثل «الكافي» و«بصائر الدرجات» و«مدينة المعاجز» وغيرها لرأيتم أنه علاوة على مخالفة متون تلك الروايات للقرآن الكريم، فإن أسانيدها ضعيفة ورواتها غلاة، رغم أنه حتى لو كانت أسانيدها صحيحة لوجب طرح متونها وعدم الاعتناء بها أصلاً طبقاً للأمر المؤكد للأئمة -عَليهِمُ السَّلام- أنفسهم الذين أمروا أن يضرب بعرض الحائط كل ما يُنقل عنهم مما يخالف كتاب الله.
لقد عقد الكُلَيْنِيّ في كتاب «الكافي» الذي يُعتَبَر من أفضل وأهم كتب الحديث لدينا معشر الشيعة بعد القرآن، أبواباً بخصوص علم الأئمة -تصلح مستنداً لأمثال صاحبنا آية الله العظمى(!) أبي الفضل النبوي على دعواه علم الأئمة بالغيب- فذكر باباً بعنوان:
«بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ -عَليهِمُ السَّلام- إِذَا شَاءُوا أَنْ يَعْلَمُوا عُلِّمُوا»، أورد فيه ثلاثة أحاديث، وقد اعتبر العلامة المجلسـي في كتابه «مرآة العقول» الحديث الأول منها ضعيفاً والحديثين الثاني والثالث مجهولين فالنتيجة صفر!!
هذا بمعزل عن أن متون هذه الروايات الثلاثة تخالف العقل والقرآن كما سبقت الإشارة إليه.
ثم عقد باباً بعنوان: «بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ -عَليهِمُ السَّلام- يَعْلَمُونَ مَتَى يَمُوتُونَ وَأَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ إِلَّا بِاخْتِيَارٍ مِنْهُم»، وذكر فيه ثمانية أحاديث،
الحديث الأول والثالث والرابع والسابع منها ضعيفة والحديث الثاني مجهول والحديث الخامس مرسل والحديثان السادس والثامن حسنان فليس في هذا الباب إذن حديث صحيح واحد، هذا بمعزل عن مخالفة هذه الأحاديث لنص القرآن.
ثم عقد باباً بعنوان: «بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ -عَليهِمُ السَّلام- يَعْلَمُونَ عِلْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمُ الشّيءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِم»(راجعوا بشأن أحاديث هذه الأبواب الثلاثة في أصول الكافي كتابنا «عرض أخبار أصول بر قرآن وعقول» (أي عرض أخبار أصول الكافي على القرآن والعقل) ص537 فما بعد. (البرقعي))،
وأورد فيه ستة أحاديث الأول والثاني والثالث منها ضعيفة والحديثان الخامس والسادس منها مجهولان والحديث الرابع فقط اعتبره العلامة المجلسي صحيحاً(إن الراوي المتصل بالمعصوم لهذا الحديث هو «ضريس الكناسي» فإذا كان «ضريس بن عبد الواحد الكناسي» فإنه طبقاً لتقييم العلامة المامقاني شخص مجهول، فالحديث مجهول وليس صحيحاً. (البرقعي)
إلا أنه لا يتضمن ما يفيد علم الأئمة بما كان وما يكون وكل ما فيه أن الإمام الباقر - عَلَيْهِ السَّلامُ - عاتب تلاميذه لأنهم كانوا يساوون بين علم أئمتهم وعلم أئمة مخالفيهم. وقال:
«أَتَرَوْنَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى افْتَرَضَ طَاعَةَ أَوْلِيَائِهِ عَلَى عِبَادِهِ ثُمَّ يُخْفِي عَنْهُمْ أَخْبَارَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَقْطَعُ عَنْهُمْ مَوَادَّ العِلْمِ فِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِمَّا فِيهِ قِوَامُ دِينِهِم؟؟»(الكُلَيْنِيّ، «الكافي»، ج1/ ص 261-262.).
ومن الواضح تماماً أن المراد من أخبار السموات والأرض التي فيها قوام الدين ليس علم ما كان وما يكون بالمعنى الذي يذهب إليه الغلاة،
بل هو العلم المتعلق بأحكام الدِّين والذي لا شكّ أنّ الأئمّة الأطهار كانوا كاملي المعرفة به. ولهذا السبب بالذات قال السيد المرتضـى علم الهدى(هو السيد الشريف أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم، ويُعْرِف بالشريف المرتضى، وهو أخ الشريف الرضي، واشتُهِرَ لدى الإمامية بلقب «السيد المرتضى علم الهدى» (355 - 433هـ)، كان علماً من أعلام الشيعة الإمامية وفقهائهم القدماء المرموقين، تولى رئاسة الطائفة الإمامية في عصره، وترك عدَّة مؤلَّفات قيِّمة أهمها: «الشافي في الإمامة» وكتاب «تنزيه الأنبياء والأئمة» وكتاب «الغُرَر والدُّرَر» ويُعْرَف بـ«أمالي المرتضى»، وكتاب «الانتصار) في كتابه «الشافي في الإمامة» (ص 188 وَ189):
«معاذ الله أن نوجب له [إي للإمام] من العلوم إلا ما تقتضيه ولايته، ويوجبه ما وليه، وأسند إليه من الأحكام الشرعية، وعلم الغيب خارج عن هذا.» ثم قال: «فأين هذا من العلم بالحِرَف والمهن والقيم والأروش، وكل ذلك مما لا تعلق له بالشريعة ولا كلف أحد من الأمة إماماً كان أو مأموماً العلم به لا على سبيل الندب ولا الإيجاب؟ وإنما تكليفهم المتعلّق بالشـريعة في ذلك أن يرجعوا إلى أهل القيم والمعرفة بالصناعات، لا أن يقوموا ذلك بأنفسهم.».
وقال الشيخ الطوسي في كتابه «تلخيص الشافي» (ص 321) أيضاً:
«فأما قولهم إنه يجب أن يكون عالماً بسائر المعلومات وبالغيب، فلا شبهة في بطلانه، لأن من المعلوم أن جميع ذلك لا تعلق له بباب الدين، ولا الإمام حاكمٌ في شيء من ذلك..»(الشيخ الطوسي، تلخيص الشافي، تقديم وتعليق السيد حسين بحر العلوم، قم، مؤسسة انتشارات المحبين، 1382 هـ شمسية، ج1/ ص 253).
أجل، تلك هي الأحاديث التي جاءت في كتاب «الكافي» في هذا الموضوع ورأينا أنه لا يوجد منها حديث صحيح واحد، رغم أنه حتى لو فرضنا أن بعضها صحيح السند وحتى لو بلغ عدد هذه الأحاديث الصحيحة المئات لما غير ذلك من الأمر شيئاً لأنه طبقاً لأمر الأئمة أنفسهم -سلام الله عليهم أجمعين- لا بدأن نضرب بها عرض الحائط لأن متونها تخالف مخالفة صريحة آيات القرآن الكريم، كما رأينا في استعراضنا للآيات التي تؤكد بكل وضوح وصراحة اختصاص علم الغيب بالله وحده وتنفيه عن أي أحد من البشر.
وأما ما جاء في كتاب «بصائر الدرجات» المنسوب لـ«محمد بن الحسن الصفّار»(اعتبر الأستاذ المحقق «محمد باقر البهبودي» الصفّار متساهلاً في رواية الحديث. يراجع في ذلك كتاب «معرفة الحديث» مركز انتشارات علمي وفرهنكي، طهران، ص109. (البرقعي) فقد ذكرنا فيما سبق عدم وثاقة هذا الكتاب حسب ما قاله الشيخ الجليل «محمد بن الحسن بن الوليد» أستاذ الشيخ الصدوق الذي كان يُعْرِضُ عن ذلك الكتاب وربما لم يكن يعتبره من تأليف الصفار أساساً، وقد ذهب بعض علماء الرجال مثل «ابن داوود» و«الشيخ البهائي» إلى وجود شخصين باسم الصفار أحدهما ثقة والآخر غير ثقة وهو مؤلف «بصائر الدرجات». فإذا كان الأمر كذلك فهل يمكننا أن نحارب القرآنَ كتابَ ربِّنَا وندع عقلنا ووجداننا لأجل أحاديث مذكورة في كتاب مثل كتاب «بصائر الدرجات» هذا؟!
الزامات:
اذا كان الائمه يعلمون الغيب كما تدعون ايها الشيعه فاعطونا اجابه؟؟؟؟
· لماذا لم يعلم رسول الله حادثه الافك حتي اخبره الله ببرائه ام المؤمنين؟؟
· لماذا لم يعلم سيدنا رسول الله اسماء المنافقين حتي نزل القران ليعلمه بهم؟؟؟
· لماذا عين الامام السادس جعفر الصادق ولده إسماعيل إماما من بعده، وأكد أنه حامل علمه ومعدن سره، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد عينه وأوصى به وقد اختارته المنية ورجع كثير منهم إلى مذهب أهل السنة، ؟؟؟؟
· لماذا عين الامام التاسع علي بن محمد التقي،ولده امام من بعده ولم يتحقق ؟؟؟
· لماذا افتراق الشيعة إلى فرق مختلفة عقب وفاة كل إمام؟؟؟؟
· لماذا لم يعلم سيدنا علي انه سيقتل بالمسجد ؟؟؟ واذا كان يعلم فهل يلقي نفسه الي التهلكه؟؟؟ حاشاه.
· ذكر الكليني في كتاب الكافي: «أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم» (أصول الكافي للكليني» (1/258)، وكتاب: الفصول المهمة للحر العاملي، (ص 155).. ثميذكر المجلسي في كتابه (بحار الأنوار) حديثاً يقول: «لم يكن إمام إلا مات مقتولاً أو مسموماً» . فإذا كان الإمام يعلم الغيبكما ذكر الكليني والحر العاملي، فسيعلم ما يقدم له من طعام وشراب، فإن كانمسموماً علم ما فيه من سم وتجنبه، فإن لم يتجنبه مات منتحراً؛ لأنه يعلم أن الطعام مسموم! فيكون قاتلا لنفسه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آلهوصحبه وسلم أن قاتل نفسه في النار! فهل يرضى الشيعة هذا للأئمة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ادعوك ايها الرافضي الذي تدعي حب ال البيت ان تتذكر قول سيدنا علي كما ذكرتها كتبك
· وقال عليه السلام: نهج البلاغة، الخطبة (156). «وَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِينُ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، وَالرِّيُّ النَّاقِعُ، وَالْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ، وَالنَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ، لا يَعْوَجُّ فَيُقَامَ، وَلا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ، وَلا تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ ووُلُوجُ السَّمْعِ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ»
· وقال عليه السلام: نهج البلاغة، الخطبة (158). «ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ،
ولَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ: إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا مَضَى وَعِلْمَ مَا يَأْتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحُكْمَ مَا بَيْنَكُمْ»