الحديث عن التخاصم ذو شجون, وأرجو من إخواني أن يعذروني فلولا أهمية الموضوع وعموم البلوى به لما أطلت الكلام, وسوف نستعرض في هذه التتمة مسألة:
- إذا كنت أكرهه وهو يكرهني فما الفائدة في إلقاء السلام؟ ألا يكون من الأفضل أن يكون كل منا في حاله بلا سلام ولا كلام تجنبا للمشاكل؟
ذكرنا فيما سبق ما رواه البخاري بسنده عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم قال: « لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام»
فالمسلم الحق إذا سمع هذا الحديث ينبغي أن يبادر بالعمل بمقتضاه ولا يقدم مثل هذه الحجج العقلية على كلام من لا ينطق عن الهوى – صلى الله عليه وسلم – حتى لو لم يظهر له وجه الحكمة فيه, فقد قال الله تعالى في الآية 59 من سورة النساء: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر), ولقد عبر الإمام الطحاوي عن هذا المعنى في العقيدة الطحاوية فقال: ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام.
وقد ضرب لنا الصحابة رضوان الله عليهم أروع الأمثلة في سرعة الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم, فلنقتد بهم ولنتبع آثارهم لعلنا نسعد كما سعدوا ونفوز كما فازوا.
هذا لو افترضنا أنه ليس هناك حكمة ظاهرة في هذا الأمر منه صلى الله عليه وسلم, لكننا لو تأملنا فيه قليلا لوجدنا حكما كثيرة, فعلى سبيل المثال, جاري هذا المؤذي إذا مرض فسيكون من السهل علي أن أزوره, وأستغل فرصة مرضه في دعوته بكتيب أو مطوية أو غيرها من وسائل الدعوة, أما إذا لم يكن بيني وبينه حتى إلقاء السلام, فسيكون من الصعب علي أن أزوره في هذا الحال, والإنسان عند مرضه غالبا ما يرق قلبه, ويصير أكثر قبولا لدعوة الحق, وكثيرا ما قرأنا أو سمعنا عن أناس كانوا من أظلم الناس وأفسقهم, انضموا لقوافل التائبين بأسباب يسيرة جدا, خاصة في حالات المرض أو الضعف, فينبغي ألا نستبعد الهداية على أحد, ولنجتهد في استغلال الفرص.
ختاما: أرجو من كل أخ حبيب ابتلاه الله بخصام أحد إخوانه أن يرجع إلى من يثق فيه من أهل العلم قبل أن يتخذ قرارا بالاستمرار في الخصام, فالأمر ليس باليسير.
كتبه : أخوك المحب: أبوأنس
[right]